الأحد، 4 أبريل 2010

من جمهورية الخطابي إلى.. جهوية "حفلات الولاء" الموسعة..

النظام الكونفدرالي الأمازيغي بالريف، أو ..
من جمهورية الخطابي إلى.. جهوية "حفلات الولاء" الموسعة..
يأتي تناولي لهذا الموضوع في سياق زمني، وطني ودولي، تنامت فيه لغة وخطاب جديدين عن "نظام الحكم الذاتي" الذي تقترحه الدولة المغربية كحل للنزاع الدائر في منطقة الصحراء، بينها وبين الحركة الانفصالية هناك، وما سمي بالورش المفتوح حول الجهوية "الموسعة". وقبل التطرق مباشرة لهذا الموضوع لا بأس من التأطير له بلمحة تاريخية، تروم إلقاء نظرة خاطفة وقراءة معاصرة لمرحلة هامة من تاريخ المجتمع المغربي عموما، ومكونه المؤسس الأصلي الأمازيغي بصفة خاصة، والريفي منه بصفة أخص، لمحة تعيد تفكيك ثم إعادة تركيب واحدة من أهم وأخطر وأشهر المفاهيم في القاموس السياسي، التاريخي والسوسيولوجي عند المغاربة، ألا وهو مفهوم "بلاد المخزن أو المغرب النافع" مقابل "بلاد السيبة أو المغرب غير النافع"، إنها لمحة عن مغرب لم نودعه إلا قبل نصف قرن من الزمان.. 1- بلاد المخزن أو المغرب النافع: هي مجموع الأراضي المغربية التي كانت خاضعة بشكل او بآخر للسلطة المركزية المتمثلة أساسا في المخزن الشريف / السلطان، لهذا سميت ببلاد المخزن، وتضم في غالبيتها محيط العاصمة "الإمبراطورية" والمناطق السهلية الخصبة، والأودية الدائمة الجريان، والأحواض الغنية بفرشتها المائية، ومعظم السواحل الأطلسية، وهي المناطق التي كانت تشكل، على قلتها، موردا رئيسا وحيويا لخزينة "الإيالة الشريفة"، حيث عائدات الضرائب الفلاحية والرسوم الجمركية بالموانئ، ولهذا سميت بالمغرب النافع. -2- بلاد السيبة أو المغرب غير النافع: هي مجوع الأراضي التي لم تكن خاضعة لسلطة المخزن المركزي، إلا في القضايا ذات الصلة بالشأن الوطني، خاصة الدفاع عن الحوزة الترابية، وترتبط إسميا وفقط بالسلطان بواسطة عقد بيعة مشروطة، ولا تشارك في حملاته التأديبية ولا "حركاته" وحروبه الداخلية، وتشمل هذه المناطق كل من الريف، جبالة، آيث يزناسن، آيث بعمران، الصحراء، ومعظم الأطلس، وهي الأراضي المعروفة بصعوبة اختراقها جغرافيا، وندرة مواردها الطبيعية، وكل ما يسيل له لعاب المخزن "الشريف"، بالإضافة، وهذا هو الأهم، كونها المناطق التي تضم الساكنة المغربية الأصلية، إيمازيغن، الذين لم تكن قد طالتها بعد آلة التعريب الجهنمية، ولا احتكت بهم قبائل بنو هلال وبنو سليم وبني معقل، التي "حركت" للمغرب برا في القرنين 5 و6 ه. هذا وقد كانت بلاد السيبة، هذه، تشكل وحدة ترابية وبشرية منسجمة ثقافيا ولسنيا، ومتكاملة اقتصاديا، ومتوافقة سياسيا واجتماعيا، خاضعة لنظام إداري قانوني وسياسي قبلي، جد محكم الضبط وعالي التنظيم، شمل كل مجالات الحياة، وامتد على جميع المستويات والأصعدة، يستمد قوته وسر استمراريته لمرونته وتعددية مراكز القرار والسلطة وتداخلها، مع نجاحه في خلق نظام زاوج بين الموروث الثقافي الحضاري الأمازيغي، والتشريع الديني (اليهودي والإسلامي) الممزغ بدوره، لينسجم مع واقع الإنسان المغربي الأمازيغي بهذه المناطق من "المغرب غير النافع".. وقد شكلت هذه الجهات/القبائل بنموذجها النابع من إرادتها الذاتية وخصوصياتها المجالية والحضارية شكلا متقدما من أشكال الحكم/الاستقلال الذاتي ..ألا وهو النظام الكونفدرالي والفيدرالي (وإن لم يكن بالضرورة تسميتهما بهاتين المفردتين المعاصرتين، إذ لكل مجتمع لغته وقاموسه) وسأتناول هنا تجربة الريف ونموذجه الفيدرالي، وقبل ذلك أجدني مضطرا للإشارة إلى نمطية تلك الصورة السلبية دائما التي غذى بها المقرر الرسمي بالمدرسة العمومية المغربية ذهنية وذاكرة التلميذ / الطفل / الإنسان / المواطن المغربي عن مفهوم "بلاد السيبة" حيث هي دائما في نظر التاريخ الرسمي بلاد الفوضى والقتل والنهب والحروب الأهلية والنزاعات القبلية التافهة وانعدام الأمن والاستقرار، وهي الأوضاع التي كان يعيشها في واقع الأمر "المغرب النافع" وتحت الرعاية السامية للمخزن "الشريف"، بل وبسيناريو هو مؤلفه ومخرجه في معظم الأحيان، على عكس ما زعمته النخب القومجية والسلفية العروبية الموريسكية التي استأثرت بتسيير الشأن العام في "دولة الاستقلال"، بينما كان مواطنو "بلاد السيبة" ينعمون بحياة كل شيء كان يسير فيها وفق مقتضيات "عقد اجتماعي أمازيغي" متوافق عليه، وإن لم يكن مكتوبا، ماعدا بعض الإنزلاقات والأحداث التي كانت ستبقى معزولة ومنسية لولى التضخيم المبالغ فيه الذي قامت به الأوليكارشية الحاكمة، خدمة لاديولوجية "العروبة والإسلام" والدولة المركزية الشمولية حيث "الدولة الواحدة، الشعب الواحد، اللغة الواحدة، الدين الواحد، والحزب الوحيد" أو ما اسميه شخصيا ب "مشروع فاس الكبرى".. النظام الفيدرالي بالريف: نشأته، معالمه، مآله..
أولا: مرحلة ما قبل التجربة النظامية ل"جمهورية الريف" الحديثة [1921 - 1926] :
"دولة الاستقلال"
من 1957
إلى اليوم مرحلة الاحتلال
1927-1957 تجربة الدولة العصرية
1921- 1926 الفيدرالية
الكونفدرالية القبيلة العائلة الأسرة الفرد
كونفدراليات قبائل عائلات أسر أفراد
بعدما انتقل المجتمع الريفي من النظام الأميسي حيث المرأة محور الأسرة والمجتمع، إلى النظام الأبيسي حيث السلطة الذكورية/الأبوية، ظهرت مجموعة من المؤسسات الاجتماعية والسياسية، والمراكز القانونية، الآلية والعضوية الجديدة، أهمها تجمع قوي وممركز لسلطة اتخاذ القرار داخل الأسرة / العائلة / القبيلة، بيد الذكر/ الأب، رب الأسرة ورئيسها الذي سرعان ما يعوضه ويخلفه الابن الذكر البكر في حالة الغياب الاضطراري، لانشغال أو مرض أو وفاة أو لسبب آخر، وتتم مباركة الوافد الجديد على السلطة / القيادة / الحكم، بعد اجتماع وموافقة بقية أفراد الأسرة، وبصفة خاصة الذكور إخوته، وهو النظام / البرتوكول نفسه الجاري به العمل في المستويات الأعلى، أي العائلة، القبيلة، الكونفدرالية، والفدرالية، وفيما يلي بيان توضيحي، مرفق بشروحات لنشأة وتطور المجتمع // الكيان الريفي:
إن كل مجموعة من الأفراد تكون أسرة عن طريق مؤسسة الزواج والتناسل، وكل مجموعة أسر تشكل عائلة نتيجة لعلاقات القرابة الدموية أو المصاهرة، ومجموعة من العائلات، لا تزيد على 10 عائلات تشكل دشارأو القرية، تكون فيما بينها مجلسا يسمى "أغراو" ينتخب احد أعضائه رئيسا، ويعهد للمجلس تسير الشأن المحلي من فض النزاعات بين الأفراد والجماعات، والتنسيق مع القرى // دشورا الأخرى وتنظيم عمليات الرعي والسقي ثويزا، وانتداب ممثل دشار // القرية في مجلس القبيلة..الخ، ومجموعة من دشوراث // القرى تكون القبيلة، هذه الأخيرة في تنتخب مجلسا جماعيا يسمى "آيث أبعين" مكونا من 2 او 3 منتدبين عن كل دشار // قرية، هؤلاء المنتدبين يحملون صفة " أمغار"، لهم صلاحيات إعلان حالتي الحرب والسلم، وإصدار الأحكام القضائية استنادا ل "ايزرفان" // الأعراف الأمازيغية الريفية وبعض نصوص الشريعة الإسلامية او اليهودية (حسب الحالة) والمصادقة على الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف، ويشكل السوق الأسبوعي الوحدة الاقتصادية الأكثر أهمية للجماعة الريفية لدوره السوسيو اقتصادي والسياسي الهام والخطير، ومجموعة من القبائل تكون تحالفا فيما بينها نسميه بلغة العصر ب"الكونفدرالية" ومجموعة من الكونفدراليات قد تكون في حال نجاحها في التوافق على الحد الأدنى من النقاط المشتركة "فيدرالية" وقد تنجح أكثر كما حدث أيام الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، فأسست دولة قائمة الذات، هذا من الناحية الإدارية والترابية، وطبيعة هذه التنظيمات الجهوية/ القبلية، أما من ناحية أخرى نجد أن كل أسرة تنيب عنها الأب أو الابن الأكبر لتمثيلها في مجلس العائلة الذي يتكون من عضوية هؤلاء الآباء // الرؤساء، الذين ينتخبون من بينهم أمغار أو أمقران العائلة، أي كبيرها و"الناطق الرسمي" باسمها وممثلها الاعتباري أمام غيرها من العائلات، والقاضي بين أفرادها ومستودع أسرار وشرف ورموز واسم العائلة، ويتم انتخابه بتوافق أعضاء الجماعة الريفية في الغالب لما قد يكون عهد فيه من الكفاءة والحكمة ورجاحة العقل، ولسلامته الخلقية واستقامته الخلقية، ولحد ما ليسره المادي ومكانته الاعتبارية داخل المجتمع (لا لكونه شريف النسب وقرشي الأرومة، أو حفيد فلان وعلان، كما عند العرب، مثلا)، هذا ونؤكد على كلمة انتخاب، كآلية وحيدة معتمدة في تولي المهام والمسؤوليات في المؤسسات القيادية لدى الجماعة الريفية، ولم تكن هناك سلطة أعلى من الجماعة لنحيل على ما يمكن الاستدلال به في احتمال وجود آلية التعيين، التي كان جاري بها العمل في بلاط المخزن المغربي، الذي يركز وإلى حدود اليوم على عناصر مدى قوة الولاء والطاعة، ومدى عذوبة كلمة "الله ايبارك فعمر سيدي" في لسان المعينين من المسئولين، ومن هؤلاء ال "إمغارن/ إمقرانن" يتكون مجلس القبيلة الذي ينتخب من بين أعضائه رئيسا له يحمل الصفة نفسها: أمغار/ أمقران، ولكن بمهام أكبر ومسؤوليات أخطر، قبل أن عقد هذه القبائل سلسلة من التحالفات فيما بينها لضمان الأمن الجماعي والدفاع المشترك، وتبادل التجارب والمنافع، وهذا المستوى الأعلى من التنظيم نسميه في اللغة الأمازيغية بالريف ب "الليف"، الذي يقوم بدوره بانتخاب زعيم له يحمل صفة أمقران ايمقرانن أو أمغار ايمغارن، أي كبير الكبار أو زعيم الزعماء، بل قد يحمل صفة "أزدجيذ" أي الملك، وبعدها، ومرة أخرى تشرع هذه الكونفدراليات من جديد في البحث عن آفاق اتحادية أعلى وأقوى قد تصل إلى مستوى "فيدرالية " يقوم مجلس القيادة فيها بانتخاب زعيم يحمل رسميا صفة أزدجيذ / الملك.. وفي هذا ما زال الكثير من المسنين الذين عاصروا الأمير عبد الكريم الخطابي يتحدثون عنه بعبارة مولاي موحند أزدجيذ أمقران، أي عبد الكريم الخطابي الملك الكبير، كما أن الشعر الغنائي التراثي "ايزران" وكذا الأغنية الأمازيغية الريفية المعاصرة توظف هذه الوصف عند الحديث عن الزعيم الخطابي.
هذا وقد أسس الريفيون عبر تاريخهم الحافل سلسلة من التجارب النظامية المتقدمة على هذه الأنظمة الكونفدرالية والفيدرالية، التي ضمنت لكيان الريف حكما / استقلالا ذاتيا كبيرا عن جيرانهم، منها وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر "إمارة نكور" التي كانت تقع شمال شرق مدينة الحسيمة الحالية، في السهل الذي يحمل نفس الاسم، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بين قبيلتي ثمسمان وآيث واياغر، وقد وجدت في ستينيات القرن الماضي بقايا أطلالها في نفس الموقع الذي انشأ فيه سد محمد بن عبد الكريم الخطابي آيث بوعياش بالحسيمة، على الرغم من التقارير التي رفعت إلى أعلى سلطة في البلاد حينها (على اعتبار أن السدود تدخل ضمن مؤسسات السيادة، المحفوظة للدولة سلطة تسيرها وبنائها وحمايتها نظرا لحساسيتها الأمنية) ورغم ما تضمنته هذه التقارير من أدلة على وجود شواهد ولقى أثرية دالة على الوجود المادي لهذه المدينة / الدولة أسفل مشروع بحيرة السد فقد أصدر المخزن"الشريف"، أمره السامي المطاع ببناء السد، وهكذا غمرت المياه هذا الموقع التاريخي، كما هو متداول عند ساكنة المنطقة ممن عايشوا تجربة الإعلان عن "الجمهورية الثانية الريفية"(1) من طرف زعيم الريف التاريخي الثالث البطل محمذ ن رحاج سلام أمزيان، إبان انتفاضة الكرامة والحرية سنتي 58- 1959، التي لم ينساها المخزن أبدا، وكان من مظاهر حقده وعقابه وانتقامه أن أصدر قراره، غير الشريف أبدا، بإغراق مدينة نكور التاريخية وطمس كل معالم تاريخ الريف، الذي شكل دائما عنصرا من عناصر الاعتزاز والنخوة لدى الريفيين، بينما تم تفويت موقع "رمزمث" الذي هو جزء من محيط ميناء هذه المدينة / الدولة فوت في الستينات أيضا إلى شركة "سلسلة قرى البحر الأبيض المتوسط السياحية" الفرنسية، التي يحوم الشك في براءة تعاملها مع الموقع طيلة ال30 سنة التي دامتها مدة استغلالها لموقع قريتها السياحية التي في وسطها توجد مدينة رمزمث مقابلة جزيرة نكور المحتلة بخليج الحسيمة، وإمارة النكور هذه لا زالت تذكر بهذه الصفة الكيانية السياسية في كتاب مادة التاريخ ضمن المقرر المدرسي العمومي المغربي، وكان آخر عهدها أيام الخليفة المرابطي يوسف بن تاشفين(ق11)، بعدما رفضت الخضوع لملكه، فأبادها عن آخرها، كما أن المخزن "الشريف" في نسخته المعاصرة فوت نفس المكان التاريخي لمن وصفتهم بلاغات وكالة الأخبار الرسمية ب"مستثمرين عرب".. صراحة أرى أن أمر وحقيقة هذه النكور التي عقدت ملوك المغرب عبر التاريخ في حاجة ماسة ومؤكدة لمعرفة سر كراهيتهم لهذه النكور؟؟. ثم هناك "إمارة بادس" الواقعة شمال غرب مدينة الحسيمة الحالية، وقد كانت مدينة/ دولة مزدهرة ومنظمة، إذ كان مينائها الميناء الرسمي والأول "للدولة" المغربية في القرون القليلة الماضية، قبل بناء ميناء الصويرة في عهدة الملك محمد الثالث العلوي، وقد حضيت بعدد غير قليل من الدراسات والأبحاث والكتابات التاريخية والمتخصصة،(2) قبل أن تتكالب عليها الأطماع الأجنبية، الاسبانية، البرتغالية، الانجليزية، والعثمانية، قبل أن يتوج هذا العدوان بخيانة عظمى ارتكبها السلطان عبد الحق المريني عندما تنازل عن جزيرة بادس، أو باعها، حسب اختلاف الروايات التاريخية، لتنتهي بذلك المدينة / الدولة البادسية بالريف... ومع ذلك لم ينتهي الريف، ولم تنتهي تجارب الريفيين الإنسانية في الحياة ... وتبقى أهم وأسمي وأرقى ما تفتقت عنه العقلية الريفية في مجال التنظيم المجالي الترابي، والإداري والسياسي، والاقتصادي والاجتماعي، هي:
تجربة الدولة العصرية الحديثة: "جمهورية الريف":
لقد تم الإعلان رسميا عن قيام دولة الريف الحديثة يوم 18 شتنبر 1921، بعاصمتها أجذير، من طرف رئيسها ومؤسسها، أب الريف الحديث وزعيمه التاريخي والأبدي وقائده الروحي الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، تحت اسم "جمهورية الريف" التي كانت تتويجا لمسار شاق وطويل، وعمل جاد وصادق، قام به الريفيين على درب التقدم والرفاهية والاستقلال والحرية والكرامة، مسيرة شكل فيها "أذرار ن رقامث" في ثمسمان قبيل معركة أنوال الشهيرة حجر الأساس واللبنة الأولى في هذا الصرح التنظيمي، عندما دعا إليه مولاي موحند وترأسه بنفسه، على اعتبار أنه "أول مؤتمر قمة ريفية" في التاريخ المعاصر، مؤتمر حضرته كل قبائل الريف ممثلة بأعلى مستويات التمثيل، حيث توافق الريفيين فيه على طي صفحة الماضي الأليم بكل نزعاته وقلاقله، وتعاهدوا على الانطلاق جماعة في مشروع "الوحدة الريفية الكبرى" وانتخبوا عبد الكريم الخطابي قائدا عاما للريف، وممثلا شرعيا ووحيدا له، وهكذا ولدت "فيدرالية الريف" التي ستحمل مباشرة بعد معركة أنوال اسم"دولة جمهورية الريف" من 1921 إلى 1926 تاريخ تحالف قوى محور الشر آنذاك.. فرنسا، اسبانيا، المخزن المغربي وخدام كل هؤلاء ممن وصفوا فيما بعد ب "رجالات الحركة الوطنية" دون خجل ولا حياء، مع دعم غير مباشر ولكنه حاسم وقوي ومثبت تاريخيا من طرف مرتزقة ألمان وأمريكيين وايطاليين باعتبارهم الرؤوس المدبرة والمصنعة ل"غازات الساريين الكيماوية" المحرمة دوليا، التي استهدفت الشعب الريفي(3) وبذلك تم إجهاض هذه التجربة الريفية، بسبب عمالة المخزن وهمجية صانعي تمثال الحرية ووحشية رعاة الثيران.. وبعد ذلك استمر الوضع بين مد وجزر من سنة 1926 إلى غاية 56- 1957 تاريخ بداية عهد "دولة الاستقلال" التي بدأت بشهية مفتوحة لدى القصر وحزب الاستقلال بتقزيم دور ومكانة الريف، وسياستهما لمسخ معالم كيانه التاريخي عن طريق طمس معالم الشخصية الحضارية والهوية الثقافية للإنسان الأمازيغي بالريف، بنهج سياسة التعريب الجهنمية والتهجير القسري، وتفقير الشعب الريفي وتهميش نخبه ونهب موارده، لكن الشعب الريفي رفض مباركة جزاريه فانتفض عليهم في خريف الغضب المعروف بأحداث 58- 59، التي كان مطلب حكم الريفيين لأنفسهم بأنفسهم على رأس مطالب ميثاق 7 أكتوبر 1958 الصادر عن "حركة التحرير والإصلاح الريفية" التي قادت انتفاضة الريفيين ضد السياسات ألا وطنية لحزب الاستقلال والمخزن شريكه في الحكم ( وشريكه في الجريمة أيضا)، كما كان هذا المطلب على رأس مطالب الريفيين التي سجلتها لجان تقصي الحقيقة الثلاث التي شكلها الملك الراحل محمد الخامس إبان أحداث الريف(4)، بما فيها زيارة الملك شخصيا للريف في بحر نفس السنة والتي عبر له الريفيين خلالها بشكل صريح ومباشر عن رغبتهم في حكم أنفسهم بأنفسهم بدل بيروقراطية المركز ..
ومن سنة 58-59 إلى هذا اليوم الذي كثر فيه الحديث عن مجموعة من المفاهيم ذات الصلة بمشروع إعادة النظر في كيفية تدبير المجال الترابي للدولة المغربية من الناحية الإدارية والقانونية، وذلك بالموازاة مع إعلان الخطاب الرسمي عن طرح مشروع نظام الحكم الذاتي لمنطقة الصحراء، ثم الإعلان عن تعيين "اللجنة الاستشارية للجهوية الموسعة".. لقد تعددت وتنوعت المصطلحات والمسميات والمفاهيم ذات الصلة بموضوع تدبير المجال الترابي ما تحت وطني، بطابعها القانوني، الإداري، السياسي، والدستوري، وبإبعادها الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية، وذلك راجع لاختلاف المرجعيات والمنطلقات الفكرية الاديولوجية، كما باختلاف المقاربات والأهداف المتوخاة، ما بين متحدث عن لامركزية متقدمة أو جهوية موسعة، ومتحدث عن نظام فيدرالي أو حكم ذاتي، أو حتى تسيير ذاتي واستقلال ذاتي.. وكلها مفردات وان اختلفت مفاهيمها تحيل على توافق مجتمعي قل تصادفه في المغرب كله رغبة في القطيعة مع مفهوم الدولة المركزية، الذي استهلك مبررات وجوده وأصبح متجاوزا في عصر يشهد صحوة متنامية للنزعات القومية والمطالب الحقوقية ذات الطابع الهوياتي، إن الفردية أو الجماعية، المدنية أو السياسية، الثقافية واللغوية، الاجتماعية والاقتصادية، المدعمة بترسانة حقوقية هائلة وغير مسبوقة من الصكوك والأوفاق الدولية، بالإضافة للتغيرات الهامة التي مست المهام والوظائف الكلاسيكية للدولة، ومن هنا ظهرت الحاجة الملحة لتخفيف الضغط على كاهل المركز عن طريق تفويض جملة من السلط والاختصاصات والصلاحيات للوحدات الجهوية وهيئاتها المنتخبة، وبالتالي ضرورة تفكيك ثم إعادة تركيب الدولة ذات الطابع البسيط الموحد، كما المغرب، لصالح "دولة الجهات" كخيار استراتيجي عملي لرفع مستوى التحديات الاقتصادية والتنموية والأمنية، وكصمام أمان للحفاظ على الوحدتين الوطنية والترابية للدولة..
مصالح المخزن وحزب الاستقلال في الصحراء قد تمر عبر جسد الريف
إن تمتيع منطقة الصحراء بنظام للحكم الذاتي واستثناء الريف من ذلك، فيه تهديد صريح وأكيد للوحدة الوطنية للمملكة "الشريفة"، لأنه سيؤدي لا محالة إلى سخط وعدم رضا الريفيين، وربما غيرهم في باقي المناطق احتجاجا على سياسة الميز الترابي الجهوي، الذي بدا الترويج لها منذ مدة، مما قد يكون له تأثير مباشر على السلم الاجتماعي، إذ بقدر ما سيكون هناك "حل" لقضية الصحراء، فانه سيعمل كذلك على فتح ملف لا يختلف عنه كثيرا بالريف، الذي له من الخصوصيات الثقافية والحضارية، والإمكانات البشرية والطبيعية، والمؤهلات المادية والاقتصادية، بالإضافة إلى التجارب التاريخية، ما يجعل من الريف الإقليم الأكثر تمتعا بمقومات الشخصية المعنوية التاريخية بين كل أقاليم جنوب الحوض المتوسطي، وبالتالي الأولوية والأحقية في التمتع بنظام خاص به، يراعي بالإضافة لما ذكر ما يملكه الريف من رصيد تاريخي، وموقع جغرافي استراتيجي، وإشعاع دولي، وحراك مجتمعي حيوي، زد على ذلك قدرته على الاستجابة لحاجيات ومطالب الريفيين في الحفاظ على مقومات شخصيتهم المتميزة، ذات الهوية الأمازيغية الريفية المتوسطية المنفتحة، وتطلعاتهم المعبر عنها دوما في حكم أنفسهم بأنفسهم، لتحقيق ولو الحد الأدنى من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، دون أن ننسى أيضا بأن الريفيين كانوا سباقين للمناداة بالحكم الذاتي(5) وذلك في أوج قوة وسطوة الحسن الثاني وصدره الأعظم إدريس البصري، وحديثهما عما كانا يسميانه ب "الاستفتاء التأكيدي لمغربية الصحراء".. بالإضافة مرة أخرى إلى أن التجربة النظامية للريفيين في عشرينات القرن الماضي كان سقفها السياسي أعلى بكثير من مجرد مشروع للحكم الذاتي أو حتى مطلب الاستقلال الذاتي، إنه كيان دولة "جمهورية الريف"، التي تعتبر حسب كل الدراسات التي تناولت التاريخ السياسي والدستوري للحوض المتوسطي، واحدة من أولى وأنضج التجارب العصرية في مجال التنظيم السياسي والدستوري ونظم الدولة، وتنظيم المجال الترابي، مقارنة مع ما كان عليه واقع العالم المتوسطي ومحيط الريف الجهوي والإقليمي آنذاك، حيث إنه عندما كان المغرب ومعه عموم شمال افريقيا والشرق الأوسط و الأناضول والبلقان وشبه الجزيرة الإبيرية وايطاليا واليونان تحت نير الاستعمار أو الحكم الفردي الاستبدادي أو في قبضة رجال الدين أو العسكر الكاتم للأنفاس، كان مواطنو دولة الريف ينعمون بنص دستوري ديمقراطي حداثي، فيه فصل للسلط، وتحديد للمهام والاختصاصات، وبقدر لا بأس به من الحقوق والحريات، ونظام صارم للمسؤوليات والجزاءات، وهي التجربة التي كان بإمكانها لو تركت تشق طريق نموها وتطورها الطبيعي أن تنتشل المغرب من براثن الجهل والتخلف ليستعيد مكانته الحضارية بين الأمم، لولى "حادثة السير التاريخية" التي أوصلت عناصر ما يسمى بالحركة الوطنية بزعامة وريثها الشرعي وصانعة فرنسا "حزب الإحتقلال الفاشي" لمراكز القرار بمؤسسات "دولة الاستقلال".. وما كل هذا إلا غيض من فيض مما لم يحز رصيد الصحراء وملف المدافعين عن الحكم الذاتي المقترح لها ولو عشره، فكيف يمكن استساغة الحديث عن حكم ذاتي لإقليم الصحراء مع استثناء الريف وباقي المناطق؟.. أو ليس في اتخاذ مثل هذا القرار لعب بالنار؟ أو ليس حال القائلين به شبيه بحال من يتعمد استفزاز أشبال الأسد؟ ثم ما الضمانات التي تمكننا من الوثوق في كون ما سمي بمشروع "الجهوية الموسعة" بداية لورش إصلاح حقيقي ومنطلق لدمقرطة الدولة المغربية، أو ليس هذا الكرنفال الكلامي مجرد مناورة جديدة من المخزن "الشريف" لربح مزيد من الوقت لتمديد عمر الحالمين ب "مشروع فاس الكبرى" الذي ما هو في حقيقة أمره سوى نسخة معدلة لنظام المخزن والدولة المركزية؟..
100%100 "الجهوية الموسعة" بدعة مغربية..
صحيح أنني لست ضليعا في خبايا غابة القوانين والمفاهيم والمناهج العلمية والأكاديمية، ولا خبيرا في ترسانة النظريات القانونية ونظيراتها الدستورية، والعلوم السياسية وغيرها من العلوم والتخصصات ذات الصلة بأنظمة تدبير المجال الترابي للوحدات الدولتية والإقليمية، ومع ذلك لن أحرم نفسي من حق الإدلاء برأيي المتواضع فيما له صلة أكيدة بمستقبلي كمواطن يسعى الآخرون للتفكير واتخاذ القرار نيابة عنه، حقي في إبداء الرأي على اعتبار أنني "مواطن" مغربي يضمن لي دستور المملكة "السعيدة" حق التعبير عن الرأي، كما انه حق استمده من كون المخزن الشريف قد تكرم علينا (الله ايكتر خيرو) بحرية خوض نقاش عمومي حول ما سماه ب" الجهوية الموسعة" لمدة سنة كاملة.. إن المخزن المغربي بعدما نجحت خلايا "أشقائه" القوميين العرب في قولبته بصناعة "جمهورية الوهم الصحراوية العربية"، على أرضنا، التي تنكر المخزن "العربي" لهويتها الأمازيغية بدعم مكشوف من طرف غلمان عبد الناصر وميشيل عفلق من "رجالات" ما يسمى بالحركة الوطنية، وجد نفسه مرغما على اتباع سياسة ما لا يؤخذ كله لا يترك بعضه، فاقترح ما سماه بالحكم الذاتي كحل لنزاعه مع جبهة البوليزاريو، ومع تزايد ضغوطات المجتمع الدولي عليه من أجل دمقرطة الحياة العامة بالمغرب، وطمعه الغير المشروع لدخول نادي الاتحاد الأوروبي، وتنامي نضالات الحركة الأمازيغية، وجد نفسه مرغما على إلحاق "مبادرته" عن الحكم الذاتي للصحراء بما سماه بمبادرة "الجهوية الموسعة".. جهوية لا يمكن انتظار أي شيء منها على اعتبار أنها ستكون "مغربية - مغربية" كما حدده لها كطابع الخطاب الرسمي.. لأنه وكما يقول المثل الأمازيغي بالريف "إيضها إيزما إيغا يغن ايكاري" .. المخزن فشل في تسيير الدولة المغربية رغم كونه متمرسا في الجمع بين النواقض .. قوانين من فرنسا وتطبيقات من القرون الوسطى .. حقوق الإنسان على الورق وإرهاب دولة في الواقع.. ديمقراطية على لسان مصطفى العلوي وديكتاتورية في كوميساريات وسجون مختلف الجهات الموسعة.. ملايين الدراهم تصرف على الأنشطة الرسمية من أجل توزيع حريرة ثمنها في السوق 3 دراهم .. احتفالات بالملايير من اجل إزاحة الستار عن لوحة تحمل اسما مغمورا لشخص ما بحضور أطفال ونساء ورجال للتصفيق والهتاف وهم يتضورون جوعا بعد ما اخذوا بقوة الترهيب والإرغام من براريكهم المنعدمة فيها أدنى شروط الحياة بأمر من المقدم وتعليمات من السيد الوالي .. وشحنوا كالبهائم في الحافلات والكاميونات حتى لا يقال عنهم أنهم "مساخيط سيدنا" او قليلي المواطنة.. إنها بعض مظاهر دولة الأصالة والمعاصرة حسب ما كان يعتز الراحل الحسن الثاني بترديده كثيرا للتعبير عما كان يعيشه المغرب في عهد "الديمقراطية الحسنية الزاهرة".. المثل الأمازيغي بالريف يقول: ثلاثة أشياء لا يمكن الوثوق فيها.. النار والليل و..المخزن المغربي.. طبعا.." .. إن وضع الثقة في المخزن المغربي - في نظري- شبيه باستئمان الذئب على صغار الغنم.. عن أي جهوية موسعة يتحدث المخزن وأحزاب "الله ايبارك فعمر سيدي" .. في العالم لا يوجد شيء اسمه جهوية موسعة .. إنها بدعة المخزن الجديدة .. فإما المركزية الاستبدادية بشكل واضح، او النظام الفيدرالي الديمقراطي حيث تتمتع كل المناطق التاريخية ما تحت الدولة الموحدة بنظام للحكم الذاتي.. أما هذه "الموسعة".. فلا افهم منها شخصيا سوى كونها تكتيك لتوسيع عدد حجاج حفل الولاء كل سنة.. وذر للرماد في عيون التقارير الحقوقية الدولية ومتابعات الاتحاد الأوروبي لدفتر تحملات "الوضع المتقدم" الذي ليس منة ولا ميزة بقدر ما هي تكليف وامتحان لعقلية القرون الوسطى ومدى قدرتها على التكيف مع متطلبات عصر الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الدولية لحماية الحقوق الثقافية واللغوية والاقتصادية والاجتماعية، ورفض كل أشكال التمييز العنصري والمحكمة الجنائية الدولية.. إن في مبادرة "الجهوية الموسعة" حربائية في تعاطي المخزن مع انتظارات الشعب الحقيقية، كما هي آلية مبتكرة للالتفاف حول المطالب العادلة والمشروعة للحركة الأمازيغية، خاصة تصورها لتدبير المجال الترابي للدولة المغربية، على اعتبار أنها أول فاعل مجتمعي مغربي بادر لطرح تصوره الديمقراطي لسياسة تدبير المجال الترابي وإعادة النظر في قواعد وشروط "اللعبة" الديمقراطية، وفي كل السياسات المتبعة في "دولة الاستقلال".. ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وغيرها مع ما يستدعي ذلك من الانتقال الفعلي من "كوري الرعايا" إلى دولة المواطنة، ومن قوانين التمييز العنصري التي يحكم بها القضاء المغربي والإدارة المغربية إلى قوانين انسانية الطابع، كونية المعايير، ديمقراطية الشكل والمضمون.. من جهوية الشيوخ والعامل والمقدم والبوليسي والمخازنية.. إلى جهوية حكم الشعب نفسه بنفسه، من جهوية حفلات التدشين ووضع حجر الأساس وقص الشريط الرمزي التي تكلف الكثير ماديا واقتصاديا ونفسيا.. إلى جهوية التدبير الموضعي الفعال للمشاكل والقضايا.. من جهوية التعليمات والتعيينات والامتيازات و"الرضا المولوي" ..إلى جهوية الانتخاب والمراقبة والمحاسبة.. من جهوية المنظور الأمني والهاجس الوحدوي وإفقار جهات لإنعاش جهات أخرى.. إلى جهوية التوزيع العادل والمعقلن للسلطة والثروة والحقوق والواجبات أفقيا وعموديا.. من جهوية حفلات الولاء القروسطية إلى حفلات التعاقد الدستوري المكتوب والمشروط ..
إن الريف المجبول حلى حريته، المهووس بكرامته، المعتز بتاريخه وتجارب أبنائه، لا يمكنه الانضمام لجوقة المصفقين للخطاب الرسمي في سعيه اللاديمقراطي لدفعه بقوة لحظيرة الرعايا، وهو الريف الحالم دوما وأبدا في بناء دولة المواطنة بدل "دولة الرعايا" والساعي لإيجاد موطئ قدم له بجانب أحرار العالم من الشعوب والأمم، إن قواعد اللعبة الديمقراطية يا "قداسة" المخزن واضحة، وشروط المصالحة الحقيقية مع الريف معروفة، ونظام دولة الجهات الحقيقية والفيدرالية الديمقراطية نظام مؤطر في العالم بميكانيزمات مدروسة.. لا بخصوصيات مشكوك في صدقها.. الريف لن يقبل أبدا بتقزيم مطالبه وتضبيب أحلامه التاريخية المشروعة.. الريف كان عبر التاريخ في علاقته بجيرانه واضحا دائما في التعبير عن نفسه.. فلا يمكنه أن يقبل شيء دون حريته.. ومن يعتقد أن ريف عبد الكريم الخطابي والشريف أمزيان وميس ن رحاج سلام وشهداء 58 و81 و83 و91 و94 و2004 وغيرهم قد أعلن الولاء وانضم لحظيرة الرعايا فهو حالم .. لأن الريفيين لا ينبهرون بسرعة أمام مشهد الترقيعات وعمليات التجميل التي عرفتها بعض مناطقهم في العشر سنوات الأخيرة ولن تشفي غليل الريفيين واجهات المحلات العمومية المزينة بأضواء الإنارة الملونة ولافتات ما يسمى بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، و لا كثرة المهرجانات التي يرعاها "التراكتور" في الصيف، ولن ينبهر الريفيون أمام تراكم أطنان ما يسمى بحجر الأساس ولا من أي شيء مما "انضاف" للريف من 1999 إلى اليوم مما تسميها وكالة الأنباء الرسمية بمشاريع الخير والنماء.. لأن ريفيو 2010 الذين يعانون البطالة والحكرة وهجمة التعريب والمخزنة وثقافة التمييع هم أحفاد ضحايا حرب الإبادة الجماعية لسنة 58-59 و81 و83 و91 وغيرها من غزوات المخزن في الريف.. في كل بيت ريفي ضحية من ضحايا مجزرة 58-59 ووحشية الديمقراطية الحسنية خلال انتفاضة 83.. في بيت كل ريفي فرد مهجر للخارج مرغما لا مختارا.. في عمق كل ريفي صدى وصف أمير المؤمنين الحسن الثاني لهم في خطاب رسمي ل "شعبه العزيز" ب "الأوباش"..دون أن يكلف العهد الجديد كما العهد البائد نفسيهما جبر خاطر الريفيين من هذه الاهانة وهذا الاحتقار الذي وسموا به، ولم يسعى القصر لتقديم اعتذار لهذا "الشعب العزيز" ولهؤلاء "الرعايا الأوفياء".. عند كل ريفي وريفية سؤال واضح عن سبب تهجير ملايين الريفيين إلى أوروبا عقب الحرب المغربية ضد الريف سنة 58-59.. عند كل ريفي وريفية سؤال عن مصادر تمويل مشاريع تنمية الصحراء وفاس والرباط إن لم تكن من عائدات مواطني الريف المهجرين قسرا لخارج ارض وطنهم.. عند كل ريفي وريفية مطلب التنمية الحقيقية وحكم أنفسهم بأنفسهم والاعتذار لهم وجبر ضررهم وحماية لغتهم وكينونتهم وضمان أمنهم واستقرارهم في وطنهم والتمتع بخيراته وبمجهوداتهم ..
من هنا تبدأ الجهوية الحقيقية .. الكشف عن حقيقة مجازر المخزن في الريف كاملة ثم الاعتذار الرسمي المكتوب ثانيا ثم التعويض المادي والمعنوي عن كل سنوات الحرمان والعقاب وفيما بعد يمكن التفكير في الآليات الممكنة لإرساء دعائم مسلسل بناء الثقة بين الريف والرباط.. وبعد كل هذا يمكن العمل المشترك بين الريف والرباط للبحث عن أرضية للتفكير المستقبلي..من هنا قد تبدآ الديمقراطية الحقيقة .. من الريف.. لا من الرباط ولا فاس ولا الصحراء.. لهذا تجب الحيلولة دون أية محاولة مخزنية لفرض سياسة الأمر الواقع بجهوية على المقاس للعبور لأوربا، وحل ورطة النظام المغربي في مستنقع الصحراء على أجساد الريفيين وكرامتهم إنها دعوة للحيلولة دون توسيع "جهوية حفلات الولاء الموسعة" ..
محمد أزناكي
Rif-tanger@live.fr
الهوامش:
1- أعلن عن قيام الجمهورية الثانية الريفية في شهر أكتوبر 1958 من طرف "جبهة النهضة الريفية" التي جاءت كبديل عن "حركة التحرير والإصلاح الريفية"، إذ بعدما رفض المخزن المغربي بضغوطات من حزب الاستقلال (طبعا بما فيه الآباء المؤسسون للاتحاد الاشتراكي فيما بعد كالمدعو بن بركة المهدي) المطالب ال 17 التي تضمنها الميثاق الثوري للحركة، فصعد الريفيون من تحديهم لحكومة المغرب الاستقلالية، فأعلنوا تشكيل الجبهة التي كان أولى قراراتها إعلان قيام الجمهورية. 2- مراجع للبحث: كتاب "المدن المندرسة في شمال المغرب"، كتاب "إمارة بنو صالح في بلاد نكور" كتاب "التعريف بجزيرة بادس بالريف"، كتاب" أبو يعقوب البادسي"، كتاب " المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف" كتاب " خبر ظهور الترك بالمغرب"، لمؤلفيها، على التوالي: احمد المكناسي، احمد الطاهري، امحند البخلاخي وسعيد أعراب، عبد الحق الباديسي، احمد العبادي. 3- كانت الحرب الكيماوية التي تعرض لها شعب الريف في صيف وخريف 26-1927 من القرن الماضي، أولى وأشهر وافتك حروب الإبادة الجماعية التي شهدتها الإنسانية، بجانب حرب إبادة شعب الأرمن من طرف خليفة المسلمين العثماني، و هيروشيما وناكازاكي في الحرب العالمية الثانية، ومجازر الهوتو والتوتسي في رواندا وبوروندي، ومذابح المسلمين في سريبرينيتشا من طرف الصرب في تسعينيات القرن العشرين، والهولوكوست ضد اليهود في ألمانيا، والأكراد في عراق حزب البعث العربي في الثمانينات من القرن ال20. 4- لجان ترأسها كل من عبد الله إبراهيم، اليزيدي، عبر الرحمان انج، وأعتبر شخصيا زيارة رئيس الدولة المغربية محمد الخامس لبلاد الريف في شهر يونيو 1959 بمثابة لجنة رابعة لتقصي الحقيقة.
5- يمكن العودة في هذا الصدد إلى المذكرات المطلبية المرفوعة للملك محمد الخامس ملحقة بكل تقارير لجان تقصي الحقائق التي شكلها ابن انتفاضة 58-59.
*يمكن مراجعة جريدة نوميديا الأعداد: 5،6،7،8.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق