الثلاثاء، 19 يناير 2010

التقاطعات التاريخية بين الثقافتين اليهودية و الامازيغية

ترجمة سعيد و ساط

عن نص محاضرة شلومو الباز

استاد الاداب العبري بجامعة القدس

لم تقتصر التقاطعات بين الحضارة اليهودية و الامازيغية على المستويات الثقافية فقط و لكن نتج عن هدا الانصهار عدة تراكبات في اركان مختلفة من داخل كل نطام حضاري و تقاطعت الرؤى في انماط العيش و الانتاج و اشكال التنظيم الاجتماعي و الثقافي و نميز هنا بين مستويين من التداخل اليهودي المغاربي..




- تداخل يهودي عربي تجاورت فيه حضارتين ساميتين حضارة عربية اسلامية و اخرى يهودية و ادىهدا التلاقح الحضاري بينهما الى ازدهار ثقافي و ادبي و فلسفي كبير و قد كان موضوع عدة ابحاث و دراسات ساهمت في اشعاعه و التعريف بخصوصياته..



- تداخل يهودي امازيغي بقيت جوانبه الحضارية مجهولة لمدة من الزمن حيث ان اليهود القادمين من الشرق و تحديدا من فلسطين استقروا بشمال افريقيا و امتزجوا بالامازيغ لفترة طويلة وهدا الفراغ الدي خلفه غياب ابحاث سوسيو لوجية تهتم بابعاد هدا التداخل الحضاري سينتهي مع وصول اجيال من الباحثين الشباب الدين اغنوا الداكرة الجماعية المشتركة…



يصعب التحيين التاريخي لقدوم اليهود الى شمال افريقيا حيث يرجح بعض المؤرخين الى انه يرجع الى ازمنة قديمة ارتبطت فيه هجرتهم يتحركات التجار الفنيقيين و انها بدات مند الالفية الاولى قبل الميلاد في حين يرد البعض الاخر بدايتها الى الحقبة التي تم فيها تدمير اولى معابدهم 587 قبل الميلادبينما اخرون الى العصور الحديثة ودلك بعد التدمير الثاني سنة 70 ميلادية..



انتقل اليهود القدامى من الشرق نحو الغرب على ضفاف المتوسط في اعقاب المد الايوبي و قبله و ما سجله المؤرخين يحيلنا الى كونهم الوحيدين الدين لم تتملكهم اية نية استيطانية و استعمارية عكس الاقوام الاخرى التي توافدت على شمال افريقيا ووجدا ضالتهم في عمق المجتمع الامازيغي و ارتبطوا كاعضاء و جماعات بالقبائل الامازيغية في المدن و الارياف وكانت لهم اسهامات ثقافية كبيرة و قيمة مضافة للثقافة الامازيغية التي تاثروا بها..



بعد ان عايش اليهود مختلف التطورات و التغيرات التي عرفتها المجتمعات الامازيغية المستقبلة وجدوا انفسهم بعد فترة تاريخية من استقرارهم في سياق تاريخي و سياسي جديد ميزه نداء الحركة اليهودية العالمية و دعوتها لليهود عبر نقط الشتات الكبرى الى عودتهم الى الارض التي استقر بها اجدادهم مند قرون خلت و الدين مضوا في مغامرات بحرية مع "تير" و "سيدون" وشكلت هاته الدعوة بداية لمرحلة العودة حيث رحلت الاغلبية الساحقة منهم الى الموطن الجديد القديم..



شكل الربيع الامازيغي نقطة تحول كبرى في تاريخ الامازيغ ولحظة استيقاظ للثقافة الامازيغية و مخاضا اضافيا يتجسد فيه التبادل المتعدد الاوجه بين المغرب قبل الاسلامي و الحضارة الاسلامية الدي سهل عملية انصهار الامازيغ طواعية مع هدا المشروع التوحيدي الجديد ومن جهة ثانية بقيت اوجه التبادل بين الحضارتين اليهودية و الامازيغية بعد دخول اليهود الى شمال افريقيا غامضة لعدم توفر الادلة الكافية هدا و قد ابدى مناضلون و باحثون كثر اهتمامهم بالديانة و التدين اليهودي و دهبوا الى حد اعتبارها مكون من مكونات هويتهم ودلك بعد سلسلة البحوث حول معرفة التقاربات الدقيقة و العلاقات القريبة بين الاقلية اليهودية المحافظة على وحدة عقيدتها و ثقافتها و الاغلبية الامازيغية التي و رغم تعرضها لمسلسل الاسلمة احتفظت في موروثاتها الحضارية و الثقافية على بعض مسلمات الالتقاء مع اليهودية حتى بعد مجئ الاسلام..



في هدا السياق تطرح العديد من الاسئلة حول اصل الامازيغ و هل كان موطنهم دائما هو شمال افريقيا و تخوم الصحراء و امام هدا الغموض و عدم يقينية المؤرخين و علماء الاثار و انعدام الادلة العلمية الكافية فقد تركت المجال فارغا امام الفرضيات التي اسندت ببعض الكتابات اليهودية و العربية من العصور الوسطى التي اعتبرت الاصل الكنعاني للامازيغ و ان جدهم الاول لم يكن سوى القائد العسكري "جالوت" ..ان الاسطورة هنا تقف الى جانب التاريخ بتاويله و تكييفه مساعدة بدلك على الاستغلال الايديولوجي الثقافي و يمكن القول هنا بانه مجرد استعادة حضارة لامجادها في محيط ثقافي سائد و تبحث عن التخلص من الدين المترتب عنه..



بالاضافة الى اسطورة الاصل اليهودي الامازيغ توجد اطروحة يرجحها الكثير من المهتمين و التي تقضي بان الامازيغ قد خضعوا لمسلسل التهويد التدريجي على امتداد فترات تاريخية محددة و رغم عدم توفر الاثباتات على دلك فهي تبقى نسبية و تاريخية موازة مع اختلافاتالمؤرخين حول تثبيت الاصل التاريخي الاسطوري للكاهنة..



لقد كان المجتمع الامازيغي عبر تاريخه من بين المجتمعات القليلة التي لم تكن اي عداء لليهود و للسامية بشكل عام و ان مصدر التشريع الامازيغي الخارج عن نطاق الدين يعتبر علمانيا و عادلا و لا يسير في اتجاه معاداة اليهود خلافا للتشريعات الاسلامية..و هم يحضوا بالتالي بمكانة متميزة و لهم ادوار اجتماعية و اقتصادية حيث يشغلون وظائف عديدة في الصناعة التقليدية البسيطة و يتدكر الامازيغ اليوم بعد مرور اربعين او خمسين سنة في قرى الاطلس و في الواحات المتناثرة بالجنوب الشرقي و بالصحراء و بحميمية كبيرة الوقت الدي تقاسموه مع اليهود في الوقت الدي يدهب فيه بعضهم الى اعتبار جلاء اليهود عن مناطقهم و مجتمعاتهم مصدرا من مصادر ازمتهم و قلقهم الراهن..



ما يحمل اليهودي عن صورة الامازيغي المسلم طبعا لا شئ نسجله في هدا المجال حبث ان بعض اليهود من الامازيغ و الدين عادوا الى اسرائيل بدات تتملكهم الحيرة و تنتابهم حالات من التوتر النفسي حينما يتدكرون ماضيهم و هدا و ناتج عن فقدانهم الصيلة بالمجتمع الدي تربوا في احضانه و الى الهوية الجديدة التي اكتسبوها على حساب الهوية الاولية خصوصا وان الاجيال المعاصرة من الدين ولدوا باسرائيل يجهلون الكثير عن الثراث الامازيغي لاجدادهم..



ان الاصل الكنعاني و التهويد المفترض لبعض القبائل الامازيغية يجد تفسيره و صداه في الشعر الامازيغي حيث يقول الشاعر ما مفاده



اماه



ا ستغزلين الصوف يوم السبت



اجل صغيري..



قديما مند متى..



لمادا يصيح الفقيه عاليا..



هدا يوم جمعة..



تا تا تا



مادا يعرف الفقيه ..



عن اناس مند عشرة الاف سنة (قصيدة نشرت في مجلة تيفيناغ عدد 2 فبراير مارس 1994)



ان صورة اليهودي في دهنية الامازيغ تبقى في كل الاحوال ايجابية و يتدكر شيوخ الجنوب المغربي بعض ما ابدعه الشعراء اليهود و تحكي الحكايات الشعبية انه يرجع له الفضل في حسم بعض الخلافات المعقدة و ان تاثيره عل الموروث الثقافي الامازيغي كان ملموسا والى حدود الاحياء التي يقطنها العرب المسلمون كاحتفال عاشوراء التي تخلد لدكرى اغتيال ابناء علي برش الماء لمدة عشرة ايام و الدي يدكر باجتياز البحر الاحمر و تخصص ليلة العاشر لحتفال اليهود بوضع اقنعة و ترديد اغاني بلهجتهم و نطقهم..



هل صورة ما اوردناه اعلاه معكوسة هل نجد تاثيرا للامازيغ في الموروث الثقافي لليهود المغاربيين هدا السؤال يحتاج ان يكون موضوع بحث ميداني في المناطق التي يقطوننها في اسرائيل حيث لازال شيوخهم يحتفظون يتفاصيل التقاليد الامازيغية في داكرتهم..توجد هناك ادن تقاليد عريقة معروفة عند اليهود الدين سكنوا المغرب الاقصى و اخرى مجهولة لدى الجاليات اليهودية و من بينها يوم اضافي لاحتفال راس السنة عند اليهود و الدي يخلد لدكرى خروجهم من مصر و تدوم سبعة ايام و في المغرب ثمانية ايام..



"ناهوم سولشز" صاحب كتاب عن اليهود في حوض المتوسط و الدي نشر بالعبرية سنة 1933 في ختام اشغاله الدراسية حول الكاهنة و تكفي مقدمة هدا الكتاب لنلمس ميولاته للدفاع عن



"ان هدا الكتاب لا يندرج ضمن كتب الخيال و الروايات الرومانسية او هو لشخصية تاريخية و لكنه ثمرة مجهود و بحث تفصيلي نقدي للمادة التاريخية و الثراثية التي نسبتها الحكايات الافريقية و كتابات المؤرخين العرب لنا ان المواقف البطولية و كدا حكمة البطلة كانت موضوعا للعديد من الكتاب و المفكرين و على راسهم ابن خلدون رجل افريقيا الدي يروي في كتاباته بان ما جاء به هؤلاء الكتاب منقول عن مصادر امازيغية اصلية و زعم بان الكاهنة او الديهية و ابناء قبيلتها كانةا يتدينون بالدين اليهودي و يمارسون طقوسه الدينية و ان ينحدرون من اصول فلسطينية و قد اكتشفت بان سلالتها القديمة كانت من القساوس الدين طردوا من المشرق الى شمال افريقيا و اشتهروا بها من خلال شغلهم لمناصب المسؤولية و الحكم و بهدا تم ادخال العادات و الطقوس التي تميز اليهود الى شمال افريقيا و الى تخوم الصحراء..



ان حقيقة الوقائع التاريخية المروية هنا يؤكدها باحثون و مفكرون فرنسيون معاصرون من امثال "ميرسي" و "كوتيي" الدين اطلقوا على الكاهنة اسم " دجين الافريقية" نسبة للبطلة الفرنسية التي تم احراقها في "الروين" و دهب اخرون الى حد اباع خيالات رومانسية تفتقر الى اساسات تاريخية اعتمادا على كتابات اسطورية قديمة..



ان الحقيقة التي نستخلصها هنا هي كون سحر الكاهنة و ما يلف شخصيتها التاريخية يتجاوز سحر "دجين الافريقية " و ان ما لحق بها هو ما وقع لليهود في اراضي شبه الجزيرة العربية قديما ابان عهد الرسول محمد و هو ما نقله الكتاب العرب و لم يكن يدكر في الكتابات اليهودية..



ان محصلة لتاريخ السياسي لليهود و الفراغات التي تركها الاجداد تم استدراك بفضل المؤرخين الاجانب الدين نرتبط بهم لمعرفة ماضينا و تقاليدنا ان المؤرخين العرب تستهويهم الحياة و الحكمة و البطولة هده المرة و نقلوا لنا خطاباتها و مقاطع من حديثها الملهب للمشاعر ضد الغزاة و لم يستطيع غيرهم من العرب ان يقدم امثلة مثل هاته.."



ترجمة شلومو الباز.



لم تكن المصادر التاريخية التي اعتمدها المؤرخ"هيرشبورغ" كافية في هدا المجال و هو يفصل بين ثلاث مدارس و ثلات مقاربات..



- فئة من المهتمين لا يروا في الكاهنة و تاريخها الحافل الا مجرد اسطورة



- فئة تؤمن بتاريخيتها و اصليتها



- اخرون يظنون بترابط شبكة من العناصر الاسطورية حول نواة تاريخية..



استمر الجدال حول هاته الشخصية التاريخية و استمرت بدلك في شغل بال الباحثين و المناضلين و الشعراء و الفنانين اليهود و الامازيغ على حد السواء..



ان الهجرة و العودة الجماعية لليهود الامازيغ قد وضعت نقطة نهاية لهاته المغامرة المثيرة لحضارتين تنتميان الى قطبين من الحوض المتوسط و اللتين شكلت نقط تلاقيهما بوابات للاحتكاك السوسيوثقافي و للتبادل مع الحضارة الاندلسية..



كانت نهاية هدا التعايش قد حكمت عل اليهود بنسيان و فقدان دكريات عديدة عن الحياة الجماعية مع الامازيغ و اسهاماتهم و مكتسباتهم الانسانية في مقابل ان الامازيغ خاصة النخبة المناضلة منهم تميل الى البحث عن المصادر و التقاربات و كل الرموز المشتركة التي من شانها ان تقلب ميزان القوة لصالح الشريك اليهودي الدي لم تكن تحركه اية نزعة استيطانية و استعمارية و ساهم بشكل من الاشكال في اغناء الثقافة الامازيغية و تاصيلها..



ان التجربة اليهودية الامازيغية يجب ان تحضى بمزيد من البحث و الدراسة موازة مع التجربة اليهودية الاندلسية في اطار منظور الحضارات المتوسطية التي تنحدر منها شعوب المنطقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق