الأحد، 17 يناير 2010

من أجل إسلام مستقل عن العروبة بالمغرب



محمد بودهان
أن يحارب العروبيون المغاربة، من قوميينومتمركسين ومتياسرين، الأمازيغيةَ ويعادوها، أمر عادي ومفهوم ومنطقي لأنه ينسجم مع إيديولوجيتهم التي ترى في المطالب الأمازيغية تهديدا للوحدة العربية (كأن هناك بالفعل وحدة عربية)، ومؤامرة صهيونية تستهدف العرب والعروبة، حسب أدبياتهم الأمازيغوفوبية. لكن أن يحاربها ويعلن العداء لها المنتمون إلى التيارات الإسلامية، فأمر غير مفهوم وغير منطي لأنه يتناقض مع إيديولوجيتهم التي ترمي إلى إقامة نظام سياسي إسلامي أساسه الدين والشريعة، وليس الهوية العربية والانتماء العربي كما عند القوميين


هذا التناقض لدى الحركة الإسلامية بالمغرب، يجد تفسيره في الخلط، الذي لا زال مستمرا عندها، بين العروبة والإسلام. وهو خلط يترتب عنه:
ـ أن دفاع الحركة الإسلامية بالمغرب عن الإسلام يساوي الدفاع عن العروبة، بمفهومها العرقي الإثني.

ـ أن الحركة الإسلامية ـ بالمغرب دائما ـ هي الوجه الديني الإسلامي للحركة القومية العروبية. وبالتالي فهي، عندما تعادي الأمازيغية، تقدم، سواء وعت ذلك أم لم تعه، خدمة جليلة ومجانية أولا للمخزن ذي الانتماء العروبي الرسمي، وثانيا لكل الأحزاب والتيارات ذات التوجه القومي العروبي المعادي للأمازيغية.

وهذا ما يجعل جهات مخزنية وحزبية قومية وعروبية تشجع وتحرض على خلق ورعاية جو من العداء بين الحركتين، الأمازيغية والإسلامية، من خلال ما تنشره صحافة تلك الجهات من أضاليل وأباطيل وأكاذيب وتأويلات مغرضة وخاطئة حول الحركة الأمازيغية عندما تتحدث عنها كحركة معادية للإسلام. وهكذا تبني الحركة الإسلامية، بالمغرب، موقفها من الأمازيغية انطلاقا من هذه الأباطيل والأضاليل والأكاذيب التي يروّجها خصومها (الأمازيغية) العروبيون. وهو ما يجعلها تهاجم الأمازيغية وتنظر إليها كعدو تحاربه وتواجهه. وقد تضطر الحركة الأمازيغية إلى الرد لتبرئة نفسها من التهم التي توجهها إليها الحركة الإسلامية اعتمادا على آراء خصومها العروبيين كما سبقت الإشارة. وهكذا ينشأ سوء التفاهم بين الحركتين، والذي يكبر وينمو، بتحريض من الطرف الآخر الثالث (الطرف القومي العروبي)، إلى أن يتحول إلى عداء مستحكم وصراع إيديولوجي متجذر. وهكذا تسقط الحركة الإسلامية في الشرَك الذي نصبه لها أعداؤها اليساريون والقوميون العلمانيون، فتصبح متبنية لمواقفهم الأمازيغوفوبية، تقدم لهم خدمات مجانية رغم أنهم يمثلون خصمها السياسي والإيديولوجي اللدود (العلمانية واليسار والقومية العرقية).

وهدف القوميين العروبيين من وراء إذكائهم للعداء بين الحركة الإسلامية والحركة الأمازيغية هو الحيلولة دون حصول أي تقارب أو تحالف بين الحركتين يشكل تهديدا حقيقيا للوجود السياسي لهؤلاء القوميين.

في الحقيقة، إن مثل هذا التحالف بين الحركتين، الأمازيغية والإسلامية، لو كان موجودا وقائما، لكان أمرا طبيعيا وعاديا عكس العداء بينهما، الذي هو مصطنع ومفتعل خلقته جهات أخرى، قومية وعروبية ومتياسرة، لا تكنّ ودا لا للحركة الإسلامية ولا للحركة الأمازيغية.

إن رفض الحركة الإسلامية لمطالب الحركة الأمازيغية، متبنية في ذلك نفس الموقف لخصمها القومي واليساري العلماني، يوقعها في مجموعة من التناقضات والمفارقات:
1ـ فما دام أن هدف الحركة الإسلامية هو أسلمة المجتمع والدولة ـ وليس تعريهما كما عند القوميين ـ وذلك بإقامة دولة دينية إسلامية سواء على طريقة نظام الخلافة أو على شكل الأنظمة الدينية الإسلامية الحديثة كما في إيران مثلا، فلا نرى سببا معقولا لرفضها للهوية الأمازيغية كإطار لأسلمة الدولة والمجتمع، أي إقامة دولة إسلامية بهوية أمازيغية.

2ـ وهذا الرفض للهوية الأمازيغية، من قبل الحركة الإسلامية بالمغرب، يتناقض حتى مع المرجعيات السياسية التي تستلهمها في بناء مشروعها السياسي الإسلامي بالمغرب:

ـ فهذه الحركة، تستوحي، بشكل أو آخر، في مرجعيتها السياسية (الإسلام السياسي) التجربة السياسية الإسلامية الإيرانية كنموذج عملي موفق، نجح في إقامة دولة إسلامية يحكمها الفقهاء ورجال الدين. التيارات الإسلامية المغربية معجبة بهذا النموذج الإيراني ـ في ما يخص إقامته لنظام الدولة على أساس الشريعة وليس في ما يتعلق بالمذهب الشيعي المنتشر بإيران ـ وتستلهمه في تصوراتها ومشاريعها السياسية الإسلامية دون أن يكون ذلك بالضرورة في إطار مذهب شيعي. لكن هذه الحركات الإسلامية المغربية التي تستوحي هذا النموذج، تناقضه وتخالفه في نفس الوقت عندما تدعو إلى إقامة دولة إسلامية بهوية عربية بالمغرب، مع أن النموذج الإيراني أقام دولة إسلامية بهوية فارسية ـ وليس عربية ـ مستمدة من هوية الأرض الفارسية. فالمنطقي إذن، حتى تكون الحركة الإسلامية المغربية في انسجام مع مرجعيتها، هو أن تعمل على إقامة دولة إسلامية بهوية أمازيغية ـ وليس هوية عربية ـ نابعة من هوية الأرض الأمازيغية التي تنتمي إليها وتعيش فوقها هذه الدولة.
ـ وحتى التيارات المتطرفة ضمن الحركة الإسلامية بالمغرب، والتي تتجاوز النموذج الإيراني وتستلهم النموذج الطالباني السابق بأفغانستان، تناقض هي أيضا هذه المرجعية الطالبانية وتخالفها عندما تناضل من أجل إقامة "إمارة إسلامية" بهوية عربية على أرض أمازيغية، في حين أن الطالبان كانوا قد أقاموا "إمارة إسلامية" بهوية أفغانية ـ وليس عربية ـ تابعة لهوية الأرض الأفغانية، رغم أن منظري هذه "الإمارة" و"مجاهديها" كانوا في غالبيتهم من العرب الذين سموا، بسبب انتمائهم العربي، بـ"الأفغان العرب".
ـ كذلك حزب "العدالة والتنمية" المغربي الذي يريد أن يكون مثل حزب "العدالة والتنمية" التركي الذي نقل عنه حتى التسمية، يناقض هو كذلك مبادئ هذا الحزب الذي يريد الاقتداء به، عندما يطالب بنظام دولة إسلامي بهوية عربية، مع أن الحزب الإسلامي التركي، كما يدافع عن الإسلام والحجاب، يدافع كذلك عن الهوية التركية ـ وليس الهوية العربية ـ المستمدة من الأرض التركية، والتي في إطارها، وليس في إطار الهوية العربية، يريد تطبيق مبادئه الإسلامية.
3 ـ وتناقض كذلك الحركةُ الإسلامية بالمغرب مبادئَ الإسلام التي تدعي أنها تغار عليه وتدافع عنه، وذلك عندما تؤيد وتتبنى سياسة التعريب الاستيعابية والعنصرية التطهيرية (التطهير اللغوي)، وخصوصا في صيغتها الهوسية الباطولوجية والمتطرفة التي تدعو إلى التعريب الشامل والكامل للإنسان والمحيط. فهل تعريب الشعوب وتحويل هوياتها الأصلية إلى هويات عربية، كما فعلت دولة الاستقلال بالمغرب، مطلب إسلامي؟ هل جاء الإسلام لتعريب الشعوب أم لتعريفها بعقيدة التوحيد الإسلامية؟ إذا كانت إرادة الله قد قررت أن يكون الشعب الذي يسكن شمال إفرقيا شعبا أمازيغيا، ومحيطه أمازيغيا، فلماذا تعريب هذا الشعب وهذا المحيط؟ أليس في هذا العمل تحديا للإرادة الإلهية؟ والقرآن، الذي لا تكلّ الحركة الإسلامية بالمغرب من التكرار المملول أنها تريد تطبيق أوامره وأحكامه، يقول: "ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم..."، ولم يقل "تعريب ألسنتكم". فهذه الحركة الإسلامية بالمغرب، كان ينبغي عليها، حتى تكون منسجمة مع شعاراتها الإسلامية التي ترفعها وتدافع عنها، أن تعارض بشدة سياسة التعريب وتحاربها لا أن تؤيدها وتتبناها وتدافع عنها، في تناقص صارخ مع الإسلام نفسه، مقدمة بذلك، مرة أخرى، خدمة مجانية لخصومها القوميين البعثيين واليساريين العلمانيين الذين تعارضهم وتحاربهم، لكن تتبنى موقفهم في ما يتعلق بالأمازيغية رغم ما في ذلك من تناقض مع أحكام الإسلام التي تدعو إلى تطبيقها والعمل بها.
طبعا، أتباع الحركة الإسلامية بالمغرب يقولون إن دفاعهم عن التعريب هو دفاع عن اللغة العربية التي هي لغة القرآن، ولا علاقة له بتحويل هوية الشعوب إلى هوية عربية. وهكذا يقعون، مرة أخرى، في شرَك القوميين ذوي النزعة العرقية، ويصبحون مدافعين عن سياسة التطهير اللغوي والهوياتي والثقافي كغاية، مستعملين ذريعة اللغة العربية كوسيلة فقط. فهل تعليم اللغة العربية يعني تعريب الإنسان والمجتمع والدولة والمحيط؟ فلو كانت غاية التعريب هي تعليم اللغة العربية، لبقي المغرب أمازيغيا في هويته مع تعليم العربية، كلغة، لأبنائه الأمازيغيين. فشتان بين التعريب الذي هو سياسية تطهير لغوية وهوياتية وثقافية، وبين تعليم العربية كلغة وليس كهوية. نعم لتعليم اللغة العربية وتدريسها، ولكن لا للتعريب، تعريب الإنسان والمجتمع والدولة والمحيط والهوية. فلو كان الذي يهم الإسلاميين هو اللغة العربية حقا، لدافعوا بصراحة ووضوح عن تعليمها وتدريسها، ولحاربوا، بصراحة ووضوح كذلك، سياسة التعريب العنصرية واللاإسلامية.

4 ـ تدعي الحركة الإسلامية أن الحركة الأمازيغية تدعو إلى العَلمانية التي تحاربها الحركة الإسلامية. وهذا ما يفسر ويبرر، في رأي الإسلاميين، أن المطالب الأمازيغية، تتعارض وتتناقض مع توجهات ومبادئ وأهداف الحركة الإسلامية.

لنحلل ونوضح موقف الحركة الأمازيغية من العلمانية.

أ ـ إن مطلب العَلمانية التي تدعو إليها بعض فصائل الحركة الأمازيغية، يرمي إلى فصل الدين، ليس عن الدولة التي تبقى إسلامية، بل عن الحكم الذي يستعمل الإسلام لتبرير هيمنة العروبة العرقية والسياسية والهوياتية، وإقصاء غير العرب من حقهم في ممارسة الحكم. فالعَلمانية هنا، في أسباب نزولها الأمازيغية، ليست أكثر من حماية الإسلام من استعماله كوسيلة، من طرف العروبة السياسية والعرقية، لتبرير الاستبداد والفساد. وهذه الحماية للإسلام من استعماله كوسيلة، وليس غاية، أليس هو ما تناضل من أجله كذلك الحركة الإسلامية؟

ب ـ إلا أن الوجه الآخر للعَلمانية الأمازيغية، هو أن الغاية منها ليست هي فصل الدين عن الدولة والحكم، بل إن هذا الفصل هو مجرد وسيلة للوصول إلى فصل آخر، وهو الذي يهم الأمازيغية، وهو فصل العروبة عن الحكم وعن الدولة التي تصبح دولة عربية، بالمغرب، لمجرد كونها دولة إسلامية، مع ما في عروبة الدولة هذه من إقصاء للهوية الأمازيغية وإحلال محلها الهوية العربية. والذي يجعل الدولة، بالمغرب، تصبح ذات هوية عربية لمجرد كونها إسلامية، هو الجمع بين العروبة والإسلام، والذي هو جمع تستغل فيه العروبة العرقية والسياسية الإسلامَ كوسيلة، كما رأينا، لخدمة النزعة العروبية بمضمونها العرقي العنصري. فالفصل العَلماني، إذن، بين الإسلام والسلطة السياسية، يرمي إلى قطع الطريق عن العروبة العرقية التي توظف الإسلام لاحتكار السلطة التي تصبح سلطة عربية بمفهومها العرقي والإثني، مما يعطي للدولة هوية عربية كذلك تبعا لهوية السلطة الحاكمة، وهو ما يعني إقصاء سياسيا، بمبررات دينية، للهوية الأمازيغية، التي هي هوية الأرض التي تحكمها تلك الدولة "العربية".

فما كان للحركة الأمازيغية أن تطالب بفصل الدين عن السلطة السياسية، ولا العروبة عن الدولة، لو كان هناك فصل مسبق بين العروبة والإسلام بالمغرب، يترتب عنه أن الدولة بالمغرب إسلامية في دينها ولكن ليست عربية في هويتها التي تبقى هوية أمازيغية، كما هو شأن بلدان إسلامية كثيرة مثل تركيا وإيران وأفغانستان وباكستان التي هي دول إسلامية لكن مع الاحتفاظ بهويتها غير العربية.

ج ـ في الحقيقة، الفصل بين العروبة والإسلام بالمغرب، هو المطلب "العَلماني" المستعجل للحركة الأمازيغية، لأن من خلال الخلط بينهما (العروبة والإسلام) بالمغرب، تتسرب العروبة إلى الدولة لتصبح دولة عربية مع ما في ذلك من استبعاد للهوية الأمازيغية التي كان ينبغي أن تكون هي هوية الدولة المسلمة بالمغرب.

وهذا الجمع السياسي بين العروبة والإسلام، كمفهومين مترادفين بالمغرب، والذي تستغل فيه العروبةُ السياسيةُ الإسلامَ لخدمة مصالحها العرقية والقومية، يعطي للإسلام مضمونا إثنيا وعشائريا مخالفا لبعده الكوني والإنساني. ولهذا فإن استمرار الخلط بين العروبة والإسلام هو أحد أسباب الكثير من المشاكل التي يعاني منها الإسلام المعاصر. فإذا كانت المسيحية والبوذية قد تخلصتا من أصولهما العرقية والإثنية حيث أصبحت البوذية مثلا دينا كونيا لا علاقة له بأصوله الهندية، فإن الإسلام لا زال يرتبط، مثل الديانة اليهودية كذلك، بالعروبة بمدلولها العرقي العنصري. وهذه مفارقة لا تزال تلازم الإسلام: فهو في مبادئه ودعوته دين كوني موجه إلى كل البشر، ولكن في نفس الوقت يبقى دينا "عربيا" تستحوذ عليه العروبة العرقية وتستأثر به وتنسبه "لفضلها" عندما تجعله ملازما لها ومرتبطا بها من خلال عبارة "العروبة والإسلام" التي تجعل الإسلام لا يذكر إلا معطوفا على العروبة.

 

.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق