الأحد، 17 يناير 2010

ملاحظات نقدية حول مواقف السيد التجاني بولعوالي من القضية الأمازيغية

محمود بلحاج
رد على مقال إساءة أي أمازيغي إلى الإسلام تعتبر تدنيسا للأمازيغية .
توضيح لابد منه :
نشر السيد التجاني بولعوالي في شهر أكتوبر المنصرم( 2009) ، على شبكة دليل – الريف (و مواقع أخرى) مقالا تحت عنوان " إساءة أي أمازيغي إلى الإسلام تعتبر تدنيسا للأمازيغية" تحدث فيه، بل أكد من خلاله الإشاعات الرائجة حول " الإساءة للإسلام" إثناء انعقاد ملتقى الريف الثاني بمدينة الناضور أيام 26 – 27 سبتمبر 2009 ، حيث قال ما يلي [ في واقع الأمر، يتحدد أهم دافع إلى الإدلاء بهذه الورقة في الهجمة الأخيرة التي تعرض إليها الإسلام في عقر داره..]. كما أضاف قائلا [ في ضوء الهجمة الأخيرة لمثقفين أمازيغ على الإسلام ..].

ومن المفيد الإشارة في مستهل الحديث إلى نقطتين مهمتين للغاية، أولها، إن السيد بولعوالي لم يذكر لنا على مدار مقاله، الأنف الذكر، أية حجة منطقية أو حجة مادية قاطعة(مصدر أو مرجع) ليثبت من خلالها مواقفه وأحكامه القاسية في حق المناضلين الأمازيغ بهولندا، كما سنوضح ذلك فيما بعد، مما يجعل مقاله عبارة عن خواطر فقط، ليس إلا.


بطبيعة الحال، هذا النوع من الكتابة تتنافى بشكل صريح مع الكتابة الجادة والهادفة، حيث تشترط وتستلزم الموضوعية والحياد في إيراد المعطيات من جهة، وفي التعامل مع الوثائق والوقائع من جهة ثانية. كما أنه يتنافى بالمطلق مع شروط الإسلام في الحوار والجدل أيضا، وهذا هو المهم بالنسبة لنا، باعتبار أن السيد بولعوالي " المثقف الأمازيغي " كما يعتبر نفسه من خلال المقال، المشار إليه سابقا، يقوم هنا بمهمة الدفاع عن الإسلام حيث قال [ أرى أنني وأقراني معنيين أكثر من غيرهم بهذا الكلام، (يقصد "الإساءة للإسلام") لذلك فان الرد عليه، تفسيرا ثم استنكارا، ليس فرض كفاية، وإنما فرض عين....].


طيبا، لكن الإسلام نفسه حدد مجموعة من الشروط للحوار والنقاش التي تغاضي عليها السيد بولعوالي، كما أن الإسلام يحثنا باستمرار على عدم إحلال الظن محل العلم، وألا يجادل المرء إلا ببرهان على ما يعلم، حيث تقول الآية الكريمة (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) سورة النجم الآية 28.


وثانيها وهي أن السيد بولعوالي لم يكن من الحاضرين في إشغال الملقى، المذكور أعلاه، حتى يتسنى له الاطلاع والتأكد من صحة الإشاعة التي تم ترويجها من طرف بعض الجهات الإسلامية المناوئة للحق الأمازيغي في الوجود بهويته الأصلية فوق وطنه التاريخي، وهي جهات معروفة بعدائها المطلق للحق الأمازيغي في الحرية والكرامة، حيث إن كل من ينادي برد الاعتبار للأمازيغية يتهم بمعادة العروبة والإسلام والخيانة وما إلى ذلك من الاتهامات السخيفة.


ليس هذا فحسب، بل إنه (أي السيد بولعوالي) أورد العديد من المغالطات البعيدة عن الواقع والحقيقية، سواء فيما يتعلق بحقيقة الإشاعات التي تروجها، عادة، الجهات المعادية للأمازيغ، بكل أساليب التضليل وتهييج المشاعر وتأليب الضمائر والتشويش على الخطاب الأمازيغي الديمقراطي التقدمي المستقل، والغاية الأساسية من ذلك هو محاصرة ما هو محاصر أصلا، وتصفية حسابات سياسية، أو فيما يتعلق بحقيقة العمل الأمازيغي بهولندا حيث اصدر "المثقف الأمازيغي " كما وصف نفسه في المقال، الأنف الذكر، أحكام قاسية على الحركة الأمازيغية بهولندا حيث اختزل كل إعمالها المشرقة في مسالة تنظيم أنشطة وسهرات غنائية [يعمها الرقص والضجيج..] حسب قوله.


هذا وقد نال المناضلين الأمازيغ بهولندا بدورهم نصيب وافر من الاهتمام والعناية لدى السيد بولعولي الكاتب المغربي المقيم بالديار الهولندية، المتخصص في إصدار الاحكام الجاهزة والمطلقة، حيث كعادته، اصدر أحكام مطلقة قاسية جدا في حق المناضلين الأمازيغيين بهولندا، الذين قدموا تضحيات جسيمة في سبيل الدفاع والتعريف باللغة والثقافة الأمازيغيتين داخل المجتمع الهولندي، وفي سبيل دعم النضال الأمازيغي في تامازغا عموما؛ بلاد الأمازيغ، وفي المغرب خصوصا، التي سنعود إليها فيما بعد، حيث اتهمهم(أي المناضلين الأمازيغ) بالسعي وراء التمويل المالي الذي تقدمه الحكومة الهولندية للجمعيات المدنية، حيث قال ما يلي [ممثلا في مثقفين أمازيغ يستقرون على التراب الهولندي، شغلهم الشاغل ليس خدمة اللغة والثقافة الأمازيغية، بل تنقيبهم المستميت عن مصادر الدعم والتمويل من قبل الدولة الهولندية..] وهو بهذا الكلام يرصد وينقل لنا ما هو شائع من الكلام الفارغ والتافه لدى فئة واسعة من الناس هنا وهناك (المغرب) حول التمويل الذي تتلقاها الجمعيات المغربية بهولندا، فبغض النظر عن صحة وصواب هذه الفكرة الرائجة بشكل فظيع بين أوساط المهاجرين المغاربة بهولندا، شخصيا قد افهم تماما ما معنى أن يصدر هذا الكلام من طرف أشخاص عادين لا تجمعهم أية علاقة بالثقافة أو بالعمل الجمعوي، أو من طرف بعض الجهات المخزنية/ العملاء، ولكني لا افهم أبدا كيف يصدر ذلك من أشخاص يدعون العلم والمعرفة، ويفترض أنهم يعرفون خبايا العمل الجمعوي(1).


على أية حال هذا حكم مطلق لا علاقة له بالموضوعية والنسبية التي يدعيها الكاتب في مقاله ، كما انه حكم قيمي خطير جدا فهل اطلع الكاتب على نوايا وقلوب جميع المناضلين الأمازيغ بهولندا ليصدر هذا الحكم ؟.


هذا من جهة ومن جهة أخرى على السيد بولعوالي أن يعرف جيدا أن المناضلين (المثقفين حسب قوله) الأمازيغ ليسوا أنبياء يتلقون الأوامر من السماء، كما أنهم ليسوا معصومين من الأخطاء، مما يعنى إن مسالة وقوع تجاوزات واختلاسات هنا وهناك ، سواء من طرف بعض الأمازيغ أو غيرهم، أمر وارد جدا ولا ننفى ذلك إطلاقا، ولكن ان نحاكم فئة عريضة من المناضلين الأمازيغ الذين ضحوا بأموالهم وأوقاتهم وطاقاتهم في سبيل الأمازيغية في هذا البلاد (هولندا)، انطلاقا من بعض الأخطاء والتجاوزات التي قد تحصل هنا وهناك، فتلك جريمة لا يجب السكوت عنها.


باختصار شديد، أقول، نظرا لطبيعة ونوعية الخطاب الذي يريد صاحب المقال إيصاله للناس، اضطررت أن اكتب هذه المقالة المتواضعة لأبين للأخ بولعولي ومعه كل المهتمين والمتتبعين للشأن الأمازيغي وجهة نظري حول موضوع " الإساءة للإسلام" إثناء انعقاد ملتقى الريف الثاني والمتعلقة بالموضوع بشكل عام، ونقصد هنا موضوع علاقة الأمازيغ بالإسلام الذي ظل عبر تاريخ المغرب احد المواضع الحاضرة باستمرار في النقاش الفكري والسياسي في بلادنا، وخاصة بعد صدور ما سمى تعسفا " بالظهير البربري" سنة 1930 .


نتوخى من خلال هذا الرد المقتضب توضيح بعض المعطيات التاريخية والحقائق الموضوعية، سواء المتعلقة "بالإساءة للإسلام" أو المتعلقة بالموضوع في بعده الشامل ؛ ونعنى هنا موضوع الإسلام والأمازيغ. ليس فقط من اجل دحض مواقف وتصورات الأستاذ بولعولي حول القضية الأمازيغية، سواء التي عبر عنها من خلال المقال، الأنف الذكر، أو تلك التي نشرها في كتابات أخرى، بقوة الحجة والمنطق، بقدر ما نريد أيضا التطرق إلى أهمية هذا الموضوع في حياة الأمازيغ.


لهذا سنتعرض بإيجاز شديد إلى مجموعة من المواضيع الحساسة في الخطاب الثقافي والسياسي المغربي الراهن، المرطبة أساسا بالقضايا والإشكالات التي يطرحها موضوع الأمازيغ والإسلام.


هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، سنحاول أيضا إبراز دور وإسهامات الحركة الأمازيغية بهولندا، مند مطلع التسعينيات القرن الماضي إلى الآن، حيث تتجاوز مسالة " الرقص والغناء" كما وصفها صاحب المقال.


ومن الضروري الإشارة في هذا السياق إلى نقطتين مهمتين للغاية، أولها إن معظم كتابات الأخ بولعوالي المتعلقة بالأمازيغية تعتبر من الرسائل المسمومة ذات العيار الثقيل، يحاول من خلالها تمرير بعض المواقف السياسية حتى تستقر في مخيلة المتلقي(القارئ)، على اعتبار أنها حقائق ناصعة لا يأتيها الباطل. وثانيها هي أن مسالة إدراج وبرمجة الموسيقى في معظم البرامج وأنشطة الجمعيات الأمازيغية بهولندا( وخارجها أيضا) لا تعتبر غاية في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة فقط ، كما يمكن اعتبار ذلك نوع من الاعتراف(الغير المعلن) بدور الفنان الأمازيغي في الحفاظ على اللغة والتراث الأمازيغيين في ظل الحصار والتضييق الشامل على الفنانين الأمازيغ عموما، وفناني الريف خصوصا، ماديا وإعلاميا. يكفى عزيزي القارئ مشاهدة ومتابعة التلفيزيون المغربي لمعرفة هذه الحقيقة المؤلمة، هذا إضافة إن معظم الفرق الموسيقية التي يتم استدعاؤها من قبل الجمعيات الأمازيغية بهولندا هي فرق ملتزمة بقضايا الشعب الأمازيغي مثل: وليد ميمون، خالد أزري، شكري، أيدير،امتلاع وغيرها من الفرق الغنائية الملتزمة التي تقدم الأغنية الراقية.






الأمازيغ والإسلام:






يستمد الحديث عن إشكالية العلاقة بين الإسلام والأمازيغ راهنيته من طبيعة التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي قاطبة خلال المرحلة الراهنة من التاريخ السياسي المعاصر لبلادنا. المرحلة التي تستوجب القطع الكلي مع كل إشكال العهد البائد، سواء على مستوى التفكير(البنية الفكرية)، وما يستلزم ذلك من التغيير في الوعي والسلوك الفردي والجماعي للأمة، أو على المستوي السياسي والقانوني وما يستوجب ذلك من التغيير والتجديد أيضا.


هذا من جهة ومن جهة أخرى، تستمد علاقة الإسلام بالأمازيغ أهميتها القصوى من طبيعة التطورات المتلاحقة في المشهد الثقافي الأمازيغي خلال العقد الأخير من تاريخ الحركة الأمازيغية بالمغرب، الممتد عبر أزيد من أربعين سنة من النضال والتضحية في سبيل اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وفي سبيل نشر ثقافة الحوار والديمقراطية.


علاوة على هذا يكتسي الموضوع؛ أي علاقة الأمازيغ بالإسلام، أهمية بالغة في دراسة تاريخ شمال أفريقيا؛ الوطن التاريخي للشعب الأمازيغي، حيث تؤكد لنا الدراسات الإنسانية الحديثة (مثل الأركيولوجية واللسانيات والسوسيولوجيا والانتروبولوجيا ..) على أصالة وعراقة الشعب الأمازيغي في شمال إفريقيا، حيث لم يأتي وفق هذه الدراسات لا من الغرب ولا من الشرق (2). كما يحضى هذا الموضوع بحيز كبير من الاهتمام في الجدال الدائر بين الحركة الأمازيغية وخصومها التقليديين، خاصة حول طبيعة التواجد العربي في شمال أفريقيا.


يمكن لنا اختزال أهمية وحساسية هذا الموضوع في ثلاثة عوامل رئيسية في اعتقادنا، وهي عوامل تتعلق أساسا بالجانب السياسي والتاريخي والثقافي.


يتمثل العامل الأول في الاستغلال السياسي للدين من قبل الدولة المغربية باعتبارها وفق ديباجة الدستور دولة " عربية إسلامية "، كما أن الملك يعتبر أمير المؤمنين. وهو نفس المسلك الذي تنتهجه بعض الإطراف السياسية بالمغرب، خاصة التيار الإسلامي والتيار القومي العروبي. كما إن الأمازيغية تعتبر احد العناصر الحاسمة في الصراعات والنزاعات(التوازنات السياسية) التي تنشب أحيانا بين القصر والقوى السياسية بالمغرب (3). هذا إضافة إلى الخيار الإيديولوجي الذي تعتمده الدولة المغربية والأطراف السياسية المحالفة معها، في وضع وتحديد خياراتها وسياساتها في مختلف المجالات والأصعدة( اللغة والدين والثقافة والإعلام...).






بينما يتمثل العامل الثاني أساسا في الدور التاريخي الذي لعبه الإسلام في تغيير مجرى حياة الأمازيغ على جميع المستويات والأصعدة، سواء على المستوى الديني والثقافي واللغوي أو على المستوى الإيديولوجي، خاصة عند حركة الخوارج الاباضية الذين أسسوا دول أمازيغية إسلامية مع الحفاظ على هويتهم الأصلية(4).


أما فيما يخص العامل الثالث والمتعلق أساسا بالمستوى الثقافي والمعرفي لدى النخبة المغربية فإننا نلاحظ بمرارة غياب التحليل العلمي في الكتابات التي تتعلق بالثقافة والهوية الوطنية للمغاربة. هذا إضافة إلى غياب الفكر والوعي الديمقراطي لدى شريحة واسعة من الباحثين والمهتمين بالشأن المغربي عامة ، والشأن الأمازيغي خاصة. نظر لما لهذا العنصر( الوعي الديمقراطي) من الأهمية في تناول القضايا المطروحة على بساط البحث والنقاش بشكل علمي وموضوعي.. زد على ذلك نوعية الثقافة والتكوين (خاصة التكوين الإيديولوجي) لدى النخبة المغربية التي تعيش مرحلة الشيخوخة الفكرية.


هذه هي بعض العناصر / العوامل التي جعلت في تقديرنا المتواضع موضوع العلاقة بين الأمازيغ والإسلام يتسم بأهمية خاصة في الصراع القائم بين إمازيغين والإطراف السياسية والفكرية الفاعلة في المشهد المغربي. حيث يتخذ الموضوع طابعا إشكاليا عندما يتم تناوله من الزاوية النقدية، ويزداد غموضا وإشكالا عندما يتم تناول المواضيع المتناسلة عن الموضوع الأصلي. من قبيل: العلاقة بين العرب والأمازيغ- العلاقة بين الأمازيغ واللغة العربية- إسهامات الأمازيغ في الحضارة الإسلامية وغيرها من القضايا والإشكالات التي تتفرع عن الموضوع الأصلي.


إن الانتقال من مرحلة الدولة الاستبدادية القمعية العنصرية التي يلعب فيها الدين(الإسلام تحديدا) والعرق(القبيلة العربية) دورا أساسيا في صياغة ملامحها العامة، خاصة فيما يتعلق بالجانب السياسي، والقانوني، والثقافي، واللغوي ، وبالتالي انعكاس وتأثير ذلك على تطور الدولة وتحديد مسارها وانتمائها. حيث تشير ديباجة الدستور المغربي على سبيل المثال، وبشكل واضح إلى الانتماء العربي للدولة المغربية، كما يعتبر الإسلام هو الدين الرسمي الوحيد للدولة.


إن الواقع القانوني المتحكم في تنظيم وتسيير الدولة، والمجسد أساسا في الوثيقة الدستورية، وبين الواقع التاريخي والاجتماعي واللغوي والثقافي والبشري المعاش على ارض الواقع لا يعبر فقط عن الفجوة القائمة والموجودة بين الواقع العملي والواقع القانوني للمغاربة فقط، حيث أن التعدد والتنوع يعتبران من ابرز المظاهر الايجابية داخل المجتمع المغربي مند قرون خلت، بقدر ما يعتبر في نظرنا أيضا احد العوائق الكبرى التي تعترض مسيرة الانتقال من مرحلة العهد القديم إلى مرحلة العهد الجديد، مرحلة بناء دولة الحق والقانون التي ينشدها الجميع دون استثناء على أسس عقلانية، ديمقراطية وحداثية.


إن إمكانية التحول والانتقال من هذا الوضع البائس والخطير إلى وضع بناء دولة ديمقراطية حقيقية يكون فيها الشعب هو صاحب القرار، ودولة تتسع لجميع سكان المغرب بغض النظر عن ثقافتهم ولغتهم ودينهم وجنسيتهم ، متوفرة لكن محدودة جدا، محدودة لان مسالة التداول على السلطة الحقيقية غير قابلة للتداول دستوريا(5). هذا في الوقت الذي تعتبر عملية الانتقال الديمقراطي لا مناص منها إذ أردنا تحقيق مجتمع المساواة، الرفاهية والعدالة الاجتماعية، كما أن التعايش حتمية حضارية.


إن تحديد الطابع العربي والديني للدولة في الدستور المغربي لا ينفي الحقيقة الموضوعية القائمة على ارض الواقع فقط، بل انه يتعارض في العمق حتى مع شعارات ومواقف الدولة نفسها من مسالة التعايش، التسامح والتعدد الثقافي لبلادنا، وهو ما يعتبر استخفاف واستهتار بوعي المواطنين من جهة، ومن جهة أخرى يعتبر نوع من النفاق السياسي الساذج.


إن التأكيد الدستوري على الانتماء العربي، وعلى الطابع الديني (الإسلام) للدولة. لا يتعارض فقط مع المعطيات التاريخية والحقائق الموضوعية القائمة داخل المجتمع المغربي، كما قلنا، بقدر ما انه يتعارض وبشكل واضح وصريح حتى مع " المشروع الديمقراطي الحداثي" الذي تنادي به الدولة نفسها، الشيء الذي يجعل مسالة تحقيق هذا المشروع على ارض الواقع، في تقديرنا المتواضع، مسالة بعيدة المنال أن لم تكون مستحيلة في ظل استمرار العمل بالدستور الراهن. إذن امام هذا التناقض الفادح، القائم بين الواقع اليومي المعاش والواقع القانوني (الدستور) المنظم للحياة العامة للدولة من جهة، وبين الواقع السياسي المتجسد في برامج ومشاريع ومواقف الدولة من جهة أخرى، يطرح سؤال شائك وعريض حول طبيعة وشكل الدولة التي نريد ونسعى إلى تحقيقيها: هل نريد دولة دينية على غرار إيران والسودان والسعودية وأفغانستان أم إننا نريد دولة مدنية ديمقراطية كما هي سائدة في أوربا؟.(6 )


لا شك أن الوضع السياسي والقانوني القائم حاليا في المغرب يعرقل في العمق كل محاولات البناء والتغيير الجدي نحو بناء دولة الحق والقانون التي ينشدها الجميع انطلاقا من الدولة والأحزاب السياسية، وصولا إلى المجتمع المدني. إن الوضع السياسي القائم في مغرب اليوم، مغرب ما بعد الحسن الثاني، يتميز بالهيمنة المطلقة للملك على جميع المرافق والفضاءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية (7). كما انه (أي الوضع الراهن بالمغرب) يفسح المجال للمزيد من البيروقراطية والفساد، ويتيح الفرصة للتيارات الإسلامية لاستغلال مشاكل الناس والمجتمع للطعن في المشاريع التي تنافسها وتناقضها، مما يجعل مسالة المراجعة والنقد الذاتي مسالة لا مفر منها في الوقت الراهن، بل يجب أن تكون في مقدمة الأولويات، سواء بالنسبة للحركة الديمقراطية بالمغرب عامة، أو بالنسبة للحركة الأمازيغية الديمقراطية المستقلة خاصة، التي تعيش مرحلة قاتمة من تاريخها الحافل بالانتصارات والانكسارات، حيث يتفاقم فيها التشتت والتفكك والتسطح والتخلف في الواقع والفكر على حد سواء.


ما أحوج الحركة الأمازيغية في الظروف الراهنة إلى فكر نظري نقدي تأسيسي لبناء تصور أمازيغي ديمقراطي علماني جديد ومتكامل للحركة الأمازيغية الديمقراطية المستقلة، التصور الذي نستطيع من خلاله الانتقال بالوضعية الراهنة للحركة الأمازيغية ومطالبها المشروعة إلى مستوى أعلى وأفضل مما هي عليه الآن.


عندما نقول هذا الكلام فإننا لا نختزل القضية الأمازيغية (كما يفعل البعض) في الاعتراف الدستوري فقط، بقدر ما أنها ( أي الأمازيغية) تعنى في العمق ديمقرطة الدولة والمجتمع المغربي. وهذا ما يجب أن يفهمه ويستوعبه الفاعلون الأمازيغيون، بحيث أن السؤال المطروح علينا جميعا هو ماذا بعد دسترة اللغة الأمازيغية في الدستور؟. انطلاقا من هذا المنظور يجب علينا التفكير والبحث في كيفية تطوير آليات العمل الأمازيغي حتى يكون باستطاعتنا مجابهة التحديات والعوائق التي تنتظر إمازيغين على جميع المستويات. ومن جهة أخرى يجب علينا البحث في كيفية إيصال الخطاب الأمازيغي (التاطير الجماهيري) إلى اكبر عدد ممكن من المواطنين، باعتبار أن القضية الأمازيغية هي قضية شعب بكامله وليست قضية نخبة أو فئة ما.


إن مشروع بناء دولة الحق والقانون التي تكون فيها المواطنة هي المرجع الفكري والقانوني المنظم لعلاقة المواطنين فيما بينهم، بغض النظر عن أجناسهم وأعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم من ناحية، وتنظم كذلك علاقة الدولة بالمواطنين من ناحية أخرى، باعتبارهم مواطنين وليسوا رعايا، هي البديل الممكن لما هو قائم حاليا. دولة ديمقراطية يكون فيها الملك يسود ولا يحكم، ويكون فيها الدين محايدا، أو بصيغة أخرى. دولة تكون فيها المواطنة هي المرجع الفكري والقانوني وليس العرق أو الدين، وتكون الحكومة هي صاحبة القرار والحكم، والدين يظل محايدا.


لقد تزامنت هذه التحولات النسبية، خاصة على الصعيد السياسي والحقوقي، مع المتغيرات الدولية الكبرى في شتى المجالات الحيوية للإنسان، وخاصة في المجال السياسي والمعرفي والإعلامي. طبعا، قد يختلف المرء حول طبيعة ونوعية هذه التحولات، وعلى مدى تأثيرها على الوضع الداخلي للمغرب، ولكن في نفس الوقت لا يستطيع الإنسان العاقل أن ينفي دور وحجم هذه التحولات في تحريك المشهد الأمازيغي، وبالتالي في بروز الخطاب الأمازيغي على الساحة الثقافية والسياسية بشكل قوى وملفت مع بداية التسعينيات القرن الماضي، وكذلك في بلدان تواجد المهاجرين المغاربة بالخارج، خاصة في أوربا الغربية التي تعيش فيها جالية أمازيغية كبيرة، على اعتبار أن الحركة الأمازيغية المغربية بالخارج ما هي ألا امتداد طبيعي للحركة الأمازيغية بالداخل.


وفي نفس الاتجاه لعبت هذه العوامل دورا أساسيا في بروز حركات اجتماعية احتجاجية أخرى مثل حركة المعطلين والحركات الإسلامية المتشددة(8) حيث ساهمت هذه العوامل بشكل كبير في بروز وتصاعد الخطاب الديني المتشدد، خاصة بعد أحداث 11 ديسمبر، و ضلوع العديد من المغاربة في عمليات الإرهاب الدولي (عملية مدريد، مراكش والدار البيضاء على سبيل المثال..). كما تعتبر الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية على السياسية الدولية، ودعمها المطلق للكيان الصهيوني في جرائمه ضد الفلسطينيين من جهة. واعتبار الإسلام والمسلمين من قبل الغرب العدو المرتقب والمحتمل للغرب مباشرة بعد انهيار المعسكر الشيوعي من جهة ثانية(9)، زيادة عن الحروب المدمرة التي خاضها ومازال يخوضها الغرب بقيادة أمريكا مند مطلع التسعينات القرن الماضي، وخاصة في العراق والصومال والبوسنة. الحروب التي تخوضها الغرب تارة باسم نشر الديمقراطية وفرض احترام حقوق الإنسان، وتارة أخرى بذريعة محاربة الإرهاب والتطرف الدولي، خاصة بعد إحداث 11 ديسمبر كما هو الحال في كل من أفغانستان والسودان وغيرها من الأماكن في العالم الإسلامي، هذه الأحداث كلها شكلت حافزا ومبررا موضوعيا في تنامي تيار الإسلام السياسي في المغرب، وفي أماكن أخرى من العالم.


إذن يمكن القول إن الخطاب السياسي الديني بالمغرب ازدهر في ظل أجواء التوتر والعداء المتبادل بين المسلمين والغرب من جهة، وفي ظل غياب خطاب عقلاني ديمقراطي للمثقفين المغاربة من جهة ثانية.(10). تماما كما هو الحال في العديد من الدول الأخرى، حتى سار هذا الخطاب (خطاب الإسلام السياسي) يشكل احد ابرز ملامح التحول في المشهد السياسي المغربي. هذا إضافة إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على المستوى الداخلي، وهي عوامل ساعدت وساهمت بشكل كبير في بروز الخطاب الديني بالمغرب.


في خضم هذه المتغيرات سيبرز الخطاب الأمازيغي الاحتجاجي إلى واجهة الأحداث، مما أدى بوجه عام إلى تغيير موقف الدولة من اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وخاصة موقف المؤسسة الملكية، و بهذا الاعتراف الجزئي ب " أمازيغية المغرب (11) تمضي الحركة الأمازيغية خطوات مهمة نحو إثبات الذات الأمازيغية، والحق الأمازيغي في الوجود فوق وطنه التاريخي، ولو كرهه الكارهون.


وبالنظر إلى الوتيرة المتسارعة التي تعرفها الأحداث السياسية في الآونة الأخيرة، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الدولي، وبالنظر إلى التزايد المستمر لبروز العديد من الحركات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، حيث تشكل الجماعات الإسلامية، وحركة المعطلين، والحركة الأمازيغية احد ابرز هذه الحركات التي سارت تسترعى انتباه المهتمين بالشأن المغربي، فان تطور الخطاب الأمازيغي اثأر العديد من القضايا الحساسة في الفكر المغربي المعاصر،كما أربك حسابات العديد من الجهات الفكرية والسياسية ، وانتقد العديد من المسلمات التي كانت سائدة في الأدبيات السياسية والفكرية لدى النخبة المغربية.






تطور الخطاب الأمازيغي:






ومع تطور الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، سواء على المستوي الوطني والإقليمي(انتفاضة القبائل 2001 وإحداث مفوضية عليا للغة الأمازيغية بالجزائر، تطورات الوضع الأمازيغي بليبيا ومالي..)، أو على المستوي الدولي( نشير هنا إلى تأسيس المؤتمر العالمي الأمازيغي سنة 1995بفرنسا، بروز جمعيات أمازيغية مغربية بأوربا عامة، وفي هولندا خاصة، فوز المفكر الأمازيغي محمد شفيق بجائزة الأمير كلاوس وغيرها من الإحداث..) ، إضافة إلى الانتشار الهائل لوسائل الاتصالات الحديثة بمختلف أنواعها وأصنافها، حيث أضحت مسالة الحصول على المعلومات ومشاهدة /متابعة الإحداث في كل مكان من إرجاء المعمورة، وفي حينها، في منتهى السهولة وفي متناول الجميع أيضا. كما يعتبر تنامي الخطاب الحقوقي في السياسية الدولية من جهة، والانفراج السياسي النسبي في بلادنا( المغرب) من جهة أخرى، كأحد ابرز العوامل الموضوعية التي أدت إلى الصعود اللافت للحركة الأمازيغية اجتماعيا وثقافيا وإعلاميا، مما أضحت مع مرور الوقت تهدد مصالح فئات واسعة من الأقطاب السياسية والدينية التقليدية بالمغرب.


ففي غضون هذه الأحداث كلها، وفي ظل مجموعة من المتغيرات الوطنية والدولية الكبرى التي تبلورت مع انهيار جدار برلين، حيث لا يتسع لنا المجال لذكرها وتناولها بالتفصيل والتحليل في هذا المقام، سيتحول الخطاب الأمازيغي تدريجيا من الخطاب الثقافي والحقوقي، الذي يروم إلى التعريف باللغة والثقافة الأمازيغيتين وتحسيس أهل القرار بأهمية الحفاظ والعناية باللغة والثقافة الأمازيغيتين، إلى خطاب سياسي وإيديولوجي يتخذ من المواثيق الدولية والعلوم الحديثة، ومن المبادئ والقيم الكونية: كالديمقراطية، الحداثة، العلمانية، النسبية، التعايش والتسامح مرجعيته الفكرية والحقوقية والسياسية في صراعه مع الأخر الرافض للحق الأمازيغي في الحرية والكرامة.


ونطر لطبيعة الخطاب الأمازيغي في عمقه الاستراتيجي لتطوير المجتمع المغربي، حيث يستمد مشروعيته التاريخية من الإرث الحضاري والثقافي للشعب المغربي الأمازيغي الممتد في أعماق التاريخ، حيث أن الأمازيغ يعتبرون وفق مختلف الدراسات التاريخية الحديثة من الشعوب الأولى التي أسست حضارة مزدهرة في حوض البحر الأبيض المتوسط.(12) ويستمد مرجعيته (الخطاب الأمازيغي) الفلسفية والحضارية من فلسفة الخطاب الكوني لحقوق الإنسان. ونظر كذلك لمشروعية المطالب التي تناضل من اجلها الحركة الأمازيغية التي هي في الأساس مطالب ديمقراطية، والرهانات التي تعقد على الحركة الأمازيغية في دمقرطة المجتمع المغربي، فان جل المكونات السياسية والدينية في البلاد تحاول أن يكون لها حضورا ما داخل الحركة الأمازيغية، بعض النظر عن نوعية هذا الحضور وحجمه، أحيانا يكون حضورا ايجابيا وأحيانا يكون حضورا سلبيا، خاصة بعد أن تحولت القضية الأمازيغية إلى احد ابرز المواضيع الساخنة في المشهد السياسي والثقافي في بلادنا، حيث لا يمكن التغاضي عنها بسهولة.


ولما كانت الأمور هكذا، فان خطاب الأخر المتناول للقضية الأمازيغية يتميز في عموميته بالهرطقة والانتهازية والنفاق السياسي/ الانتخابي، مع بعض الاستثناءات القليلة التي تحاول إيجاد تصور ديمقراطي للقضية الأمازيغية، ولو بشكل محتشم جدا.


وفي المقابل هناك اتجاه / خطاب أخر يتميز بعدائه المطلق والمعلن للحق الأمازيغي، ويحاول قدر المستطاع أن يجعل من الأمازيغية ذلك الكائن الوحشي القادم من مكان ما للانقضاض على العرش، كما هو الشأن مع عبد الحميد العوني(13) والبعض الأخر يتمادى مع الخطاب السلفي الديني، ويحاول أن يجعل من الأمازيغية ذلك الغول المدعم من الغرب الامبريالي المعادي أصلا للأمة الإسلامية وقضاياها المصيرية للانقضاض على الإسلام في عقر داره كما هو الحال مع السيد التجاني بولعوالي الذي نحن بصدد الرد عليه هنا.


صراحة، يعتبر مقال الأخ بولعوالي، السابق الذكر، بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، كما يقال، حيث أن السيد بولعوالي تمادي كثيرا في معالجته السيئة للقضية الأمازيغية بشكل عام، وفي تناوله لدور الجمعيات الأمازيغية بهولندا بشكل خاص. بحيث انه لم يتجاوز عمل الجمعيات الأمازيغية في نظره إطار " الرقص والغناء" متغاضيا بذلك على الإسهامات الفكرية والنضالية للحركة الأمازيغية بهولندا مند عقدين من النضال والصراع السلمي والحضاري من اجل التعريف والاعتراف بالهوية الأصلية للجالية المغربية بهولندا، التي يشكل فيها الأمازيغ الأغلبية المطلقة وفق الإحصائيات الرسمية.


ما أثارني شخصيا في كتابات الأخ بولعولي بشكل عام، وفي مقاله الأنف الذكر بشكل خاص، ودفعني في نفس الوقت إلى كتابة هذا الرد الذي نروم من خلاله تصحيح بعض المعطيات التاريخية التي يثيرها الكاتب بين الفينة والأخرى، وتصحيح كذلك المزايدات السياسية التي يروجها الكاتب باستمرار، سواء فيما يتعلق بالقضية الأمازيغية حيث نشر في هذا الصدد كتاب يحمل اسم/ عنوان " الإسلام والأمازيغية"، أو فيما يتعلق بالهجرة والمهاجرين المغاربة بهولندا، ما أثارني هو أن الأخ بولعوالي يعتبر نفسه " مثقفا أمازيغيا" وبالتالي فانه يقدم نفسه للقارئ كمناضل وكمدافع عن القضية الأمازيغية. طبعا نحن لا نعترض على هذه الأمور، كما اننا لا نملك الحق في منع احد ما من الحديث عن الأمازيغية ، فالقضية الأمازيغية هي قضية كل المغاربة أولا، وهي قضية كل الديمقراطيين الأحرار في العالم ثانيا، كما انه من حق الأخ بولعوالي أن يصف نفسه كما يشاء فهو حر في ذلك. نحن لا نناقش هذه الأمور بتاتا ولا تهمنا أصلا، ولكن في المقابل من حقنا نحن كفاعلين أمازيغيين أن نعرف ماذا قدم الأخ بولعوالي للقضية الأمازيغية عموما و للحركة الأمازيغية بهولندا خصوصا؟ ومن حقنا أيضا أن نعرف إسهاماته العلمية والنضالية في مجال الدفاع عن القضية الأمازيغية باعتباره "مثقفا أمازيغيا "؟


هذا من جانب ومن جانب آخر، أثارتني نوعية وطبيعة الكتابات التي يكتبها الأخ بولعوالي التي تفتقر في مجملها إلى الحس والرصد الموضوعي للإحداث والقضايا التي يحاول معالجتها. مما يجعلها( أي كتابات الأخ بولعوالي) تتميز بإصدار أحكام قيمة حول قضايا الأمازيغية، وهي في العمق نفس المواقف(الاحكام) الموجودة لدى الإسلاميين من القضية الأمازيغية، كما سنوضح ذلك لاحقا، لكن بصيغة وأسلوب جديد ومختلف.


انطلاقا من معرفتنا للأوضاع العامة للمهاجرين المغاربة بهولندا عامة، والمشهد الثقافي الأمازيغي خاصة، نستطيع الجزم انه لا يمكن للمتتبع العادي لتطورات الهجرة المغربية بهولندا، وبالأحرى الإنسان المثقف، أن يتجاوز هكذا اعتباطيا الدور الريادي والتاريخي للجمعيات الأمازيغية بهولندا في التعريف باللغة والثقافة الأمازيغيتين داخل أوساط المهاجرين المغاربة بهولندا. لهذا فإننا لا ندري في حقيقة الأمر، لماذا اختزل السيد بولعوالي المساهمات الفكرية والعلمية والمادية ( التي يشهد بها أعداء الأمازيغ أنفسهم) للمناضلين الأمازيغ بهولندا في تطوير الحركة الأمازيغية المغربية برمتها، وفي التعريف بالقضية الأمازيغية داخل المجتمع الهولندي عموما، وفي صفوف المهاجرين المغاربة خصوصا، في مسالة " الرقص والغناء " ؟.


ومن الجدير بالذكر هنا إن التيار الفكري والسياسي والديني الذي ينتمي إليه الأخ بولعولي أو يستمد منه أفكاره وتأملاته حول القضية الأمازيغية لا يعترف بالأمازيغية ألا في حالة إدماجها ضمن الحضارة العربية الإسلامية، وكل أمازيغية خارج هذا السياق تعتبر غير مقبولة بل وغير موجودة في نظر هذا التيار. فهكذا يبدأ تاريخ الحضارة الأمازيغية وفق هذا التيار المعادي في العمق للحق الأمازيغي من تاريخ وجود الإسلام بالمغرب فقط، أما ما قبل هذا الحدث التاريخي الفاصل والحاسم في حياة الشعب الأمازيغي فهو عبارة عن فوضي وتطاحن دموي كما يقول السيد بولعوالي في مقاله الأنف الذكر، حيث قال ما يلي "[ كما إن الشعوب الأمازيغية كما تثبت مختلف المصادر التاريخية،( لم يذكر لنا أي مصدر ) ظلت قبل مجيء الإسلام تعيش إما في تطاحن دموي فيما بينها أو تحت نير مختلف الاستعمارات الأجنبية ..]".وهذا الكلام يتنافى مع الحقائق التاريخية المعروفة ومع المنطق السليم أيضا، وحتى نضع القارئ في الصورة الكاملة نورد هنا ثلاث ملاحظات أساسية في الموضوع.


الملاحظة الأول: وهي أن السيد بولعوالي لم يذكر لنا أي مصدر ومرجع تاريخي يؤكد ويثبت تحليله وموقفه الوارد في المقال، خاصة إن العديد من الكتابات التاريخية الحديثة تثبت العكس تماما، بحيث إن المجتمع الأمازيغي كان يعرف قبل بزوغ الإسلام نوع من الاستقرار والنمو الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، خاصة في ظل مملكة نوميديا، كما يخبرنا صاحب كتاب " ماسينيسا ويوغرطة" (14). وكيف يمكن تفسير إقدام الأمويون على إحراق المكتبات الأمازيغية وكل ما له صلة بالثقافة والفكر والعلوم التي كانت مرجعية كبرى لكبار الإجلاء الغربيين والفراعنة؟ (15).


وهذه الحقائق التاريخية تنفي بشكل لا يدعى مجالا للشك، كل ما يدعيه السيد بولعوالي، ويحاول جاهدا التأكيد عليه في مقاله الأنف الذكر، حيث أراد أن يقنعنا بان شمال إفريقيا لم تعرف الاستقرار قبل مجيء الإسلام، وان الأمازيغ لم يكونوا أسياد في بلادهم ألا مع مجيء الإسلام، حيث قال [ وعندما جاء الإسلام، (يقصد إلى شمال إفريقيا) تمكن من بث بذور الاستقرار في هذه الأرجاء، بل وجعل الأمازيغ أسياد زمانهم ...]


الملاحظة الثانية: وهي أن وجود الإسلام في شمال إفريقيا لا ينفى وجود حالة من الصراعات والخلافات الأمازيغية – الأمازيغية من جهة، والخلافات والصراعات الدموية بين الأمازيغ والمسلمين / العرب من جهة ثانية، كما يؤكد ذلك المرحوم صدقي علي أزيكو في مقاله القيم حول " الإسلام والأمازيغ" ( المنشور في مجلة الهوية العدد 15 ص 12) ، حيث قال ما يلي " يبدو أن ما جعل اللقاء بين المسلمين والأمازيغ لقاء متأزما وعنيفا هو سلوك أمراء الجيش وعمال بني أمية في شمال أفريقيا ..".


الملاحظة الثالثة: وهي أن معظم الكتابات التاريخية حول الأمازيغ وثقافتهم ولغتهم وحضارتهم قبل الغزو العربي لشمال إفريقيا كتبها الأجانب وبعد هذه المرحلة كتبها العرب المحتلون.


بعد هذا التوضيح نعود إلى مواصلة الحديث ومناقشة موقف الإسلاميين المغاربة من القضايا الأمازيغية، المواقف التي يستمد منهم الأخ بولعوالي موقفه من الأمازيغية، فهذا التيار لا يتصور كما قلنا أي حضارة أمازيغية خارج الإطار الإسلامي، وهم بهذا يتحدثون فقط عن الحضارة الأمازيغية الإسلامية، وتعتبر كتابات السيد التجاني بولعوالي واحدة من هذه الكتابات السخيفة التي تحاول وضع وتحديد الأمازيغية ضمن الحضارة العربية الإسلامية، وكل من يقول عكس ذلك فهو مع الفكر الاستعماري الفرانكفوني المعادي للإسلام في نظرهم، كما أورد يقول في مقاله السابق الذكر، بل انه يسعى بذلك إلى الانفصال والانشقاق( ص 62 من كتابه المذكور سابقا). إضافة إلى التيارات السالفة الذكر، ولو بإيجاز واختصار شديد، نجد أيضا ان الدولة تتعامل مع القضية الأمازيغية من منطلق امني فقط .


وبعد هذه التوضيحات الضرورية في اعتقادنا، لفهم واستيعاب دواعي وحيثيات كتابة هذه المقالة التي نتمنى أن تكون حافزا فكريا لدى السيد التجاني بولعوالي لمراجعة آراءه ومواقفه السلبية من القضية الأمازيغية من جهة، ومن اجل حوار ونقاش ديمقراطي جدي مع جميع الأطراف المعنية بالشأن الأمازيغي في الداخل والشتات من جهة أخرى.


لقد قدم السيد بولعوالي صورة قاتمة حول العمل الأمازيغي بهولندا، بحيث يمكن اعتبارها واحدة من اللوحات القاتمة التي يقدمها بعض الكتاب المغاربة بهولندا وخارجها، حول القضية الأمازيغية والمهاجرين. وهذا النوع من الكتابة النمطية التي غالبا ما يكتبها أصحابها من الغرف المكيفة، لا تقوم بنشر معلومات ومغالطات تاريخية وفكرية فحسب، بقدر ما هو نوع من ضروب الإنكار للحقيقة وللجميل أيضا. تماما كما هو حاصل مع السيد بولعوالي حيث منحته مؤسسة الهجرة بأمستردام سنة 2005 الجائزة الأولى الخاصة بالشعر العربي، واستفاضته جمعية الحركة الأمازيغية بهولندا سابقا في احد لقاءاتها وندواتها الفكرية، والآن يطعن في كل شيء ويقول أن الجمعيات المغربية بهولندا لا تفعل شيء غير " الرقص والغناء ".


لما اطلعت على مقال الأستاذ التجاني بولعوالي، الذي هو بمثابة محاكمة للنضال الأمازيغي بهولندا، بادرت مباشرة لأجل الكتابة في الموضوع. ليس فقط لان الأخ الكريم، الأستاذ التجاني بولعوالي " المثقف الأمازيغي " كما يصف نفسه، اصدر أحكام قاسية في حق المناضلين الأمازيغ الذين ضحوا بأوقاتهم وطاقاتهم وأموالهم من اجل التعريف والنهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين في هذا البلاد(هولندا) دون حضور، ولو شكلي، لهيئة الدفاع، ولا حتى أن يتشرف الكاتب والقاضي في نفس الوقت، بل والمرشد أيضا حيث قدم نصائح للأمازيغ عموما، وللسيد احمد الدغرني خصوصا، بتقديم الحجج والدلائل التي تثبت التهم الموجهة للمناضلين الأمازيغ بهولندا. بل أكثر من ذلك أن الكاتب وجد في الإيديولوجية السلفية متكئا لتصفية حساباته مع كل من يحاول الاقتراب من الدين، وخاصة مع الذين يسميهم " بالتيار التغريبي ". ولكون أن الكاتب يعتبر نفسه " مثقفا أمازيغيا" فلا يمكن السكوت عن المتاهات الفكرية التي سار يكررها باستمرار في كتاباته الصحفية حول الأمازيغية أولا، وحول الهجرة ثانيا.


شخصيا كنت اشتغل مند مدة في دراسة ونقد كتابه " المسلمون في الغرب" الصادر عن مركز الحضارة العربية بمصر سنة 2006، والتي سنعمل أن شاء الله على نشرها ضمن مشروع الكتاب الذي نعتزم إصداره عما قريب، مما جعلني اطلع على معظم كتاباته، أن لم أقول كلها. لهذا استطيع القول أن كتابات السيد بولعوالي تعبر في العمق عن المنحدر العلمي والأخلاقي الذي وقع فيه الكاتب، فهي تكفي، بل وزيادة، وهو أمر يدعوا للأسف الشديد، هكذا الكتابات تكشف عن البشاعة والتعسف. ومن وجهة نظر عامة لاحظت أن كتابات السيد بولعوالي بشكل عام، وحول الأمازيغية بشكل خاص، تتميز بفظاعة الثقة المفرطة في النفس، مما يجعلها بعيدة عن الكتابة الموضوعية الناتجة عن ثقته المفرطة في النفس، والضحية الوحيدة في هذا الحالة هو القارئ أولا، والقضية الأمازيغية ثانيا.


وعندما نقول أن السيد بولعوالي وجد متكئا في الإيديولوجية السلفية في مناقشته للقضية الأمازيغية، بل ومحاكمتها، تماما كما يفعل معظم الإسلاميين والقوميين العروبيين الذين تجاوزهم الزمن، فإننا لا نقول ذلك من العبث، أو تهكما على كتاباته، بقدر ما نقول ذلك، ونؤكد عليه، انطلاقا من مواقفه المعروفة من عدة قضايا أمازيغية مثل: علاقة العرب بالأمازيغ – كيفية دخول العرب إلى شمال أفريقيا- علاقة اللغة الأمازيغية باللغة العربية- انتشار اللغة العربية في تامازغا- الحضارة الأمازيغية – موقفه من التيار الأمازيغي الديمقراطي التقدمي العلماني داخل الحركة الأمازيغية والذي يسميه هو بالتيار" التغريبي" وغيرها من المواضيع التي لا يختلف فيها بتاتا مع مصطفي المسعودي (16) أو مع عبد السلام ياسين (17) أو مع سعيد الدين العثماني، عبد الكريم الخطيب وغيرهم من الكتاب والمفكرين الإسلاميين. (18)


وقبل الشروع في تناول ما قاله السيد بولعوالي حول جملة من المسائل والقضايا التي أثارها من خلال مقاله المشار إليه سابقا، أود الإشارة هنا إلى أن المقال يعتبر ملخص موجز لكل ما قاله الكاتب في كتابه" الإسلام والأمازيغية " الصادر عن مركز أفريقيا الشرق سنة 2008 ، وخاصة في موضوع علاقة الإسلام بالأمازيغية، وبالتالي علاقة العرب بالأمازيغ، وعلاقة الأمازيغ باللغة العربية وغيرها من القضايا التي تناولها الكاتب في كتاباته وحواراته الصحفية.


لهذه فإن ردنا هنا سيتجاوز مساحة المقال المشار إليه أعلاه، ليصل إلى كل الكتابات التي كتبها الكاتب في موضوع الأمازيغية.


لكن قبل ذلك أود أن أوضح للقارئ الكريم الإطار الفكري العام الذي أدي بنا إلى عقد ملتقى الريف الثاني، الذي يعتبر الحافز الموضوعي في كتابة الأخ بولعوالي لمقاله المذكر سابقا. وربما شكل الملتقى أيضا حافزا ذاتيا لدى الكاتب، ليس من اجل تنوير الرأي العام فقط ولكن من اجل تصفية حساباته الشخصية الوهمية مع الجمعيات الأمازيغية أولا وقبل كل شيء، خاصة إذا استحضرنا خلافه وصراعه الخفي مع السيد محمد الحموشي رئيس جمعية اوسان حول إنشاء عمالة الدريوش بالريف من جهة، واستحضرنا كذلك تعامل الجمعيات المغربية بهولندا، وخاصة الأمازيغية منها مع الكاتب، وهو تعامل عفوي، وليس تعاملا مبدئيا، وهو تعامل ناتج في نظرنا عن سببين رئيسين: السبب الأول هو أن الكاتب شخصية غير معروفة لدى الفاعلين والمناضلين الأمازيغيين بهولندا، باستثناء قلة قليلة جدا منهم. والسبب الثاني يتعلق بنوعية الكتابة نفسها التي يكتبها الكاتب حول الأمازيغية وقضاياها المتعددة.






الوضع الأمازيغي بعد عشر سنوات من " العهد الجديد":






انعقد كما هو معروف، أيام 26-27 ديسمبر 2009 بمدينة الناضور - شمال المغرب، ملتقى الريف الثاني حول " الأمازيغية: المساورة، التسامح والتعايش"، المنظم من طرف جمعية اوسان بيمضار ومؤسسة تيفاوين بهولندا، وبعد انتهاء إشغال الملتقى أشاعت بعض الجهات الإسلامية المعادية للحق الأمازيغي خبرا إعلاميا مفاده أن بعض " الناشطين الأمازيغ أساءوا للدين الإسلامي"، وعلى إثر هذا الخبر الإعلامي الزائف، الذي لا صلة له بالحقيقية، حقيقة ما جرى إثناء إشغال ملتقى الريف الثاني، المنعقد أساسا من اجل مناقشة وبحث مجموعة من القضايا التنظيمية للحركة الأمازيغية، خاصة بعد المستجدات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخطيرة التي عرفها بلادنا خلال السنوات الأخيرة من حكم محمد السادس، سواء على المستوى الحقوقي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، أو على المستوى الأمازيغي.


• فعلى المستوى الحقوقي نلاحظ تراجع خطير في حرية التعبير والصحافة، وبالتالي عودة شبح الاعتقالات السياسية والقمع الشرس للحركات الاجتماعية الاحتجاجية، فما إحداث سيدي افني، وقمع المعطلين، ومحاكمة العديد من الطلية الأمازيغيين، ومحاكمة الصحافة المستقلة ما هي ألا احد الأمثلة الساطعة على ما نقول.


• على المستوى السياسي نلاحظ تصاعد القوى الرجعية التقليدية، وظهور أحزاب إدارية جديدة ستؤسس بدون شك لمرحلة جديدة من تاريخ العهد الجديد.


• على المستوى الاقتصادي نسجل بقلق كبير تراجع خطير في القدرة الشرائية للمواطنين، وكذلك تزايد مستمر للبطالة والفقر، بحيث تصل نسبة المغاربة الذين يعيشون في ظل ظروف الفقر إلى 15%، هذا إضافة إلى نسبة 25% مهددون بالفقر في أية لحظة(19).


• على المستوى الاجتماعي نلاحظ تزايد تعاطي المخدرات بكل أنواعها، والانتشار الواسع للدعارة المنظمة، واستمرار الهجرة السرية نحو أوربا في ظل انسداد الأفق أمام المواطنين، وارتفاع أعمال العنصرية ضد المهاجرين الأفارقة، بل حتى مع فئات واسعة من أبناء الشعب المغربي، خاصة مع الأمازيغ والسود (المواطنون دوي البشرة السوداء..).


• وعلى مستوى الهجرة نلاحظ استمرار الدولة المغربية في نهج سياستها القديمة تجاه الهجرة والمهاجرين المغاربة في أوربا، المتمثلة أساسا في تعاملها السنوي مع قضايا المهاجرين، (عملية العودة المرور/ العبور) وفي سعيها الحثيث لنشر اللغة والثقافة العربيتين بين أوساط المهاجرين عبر عقد اتفاقيات رسمية بين الدولة المغربية( وزارة الهجرة) وبلدان إقامة المهاجرين (ألمانيا وايطاليا على سبيل المثال وليس الحصر) على حساب تهميش اللغة والثقافة الأمازيغيتين، ومحاولتها أيضا السيطرة واحتواء صوت المهاجرين عبر تأسيس ما يسمى " بمجلس الجالية المغربية بالخارج" الفاقد لأية شرعية تمثيلية. وتوظيفها كذلك لمناضلين وباحثين أمازيغيين فيما يسمى " بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية"، ونشير في هذا الصدد إلى وجود احد الناشطين الأمازيغ البارزين على الساحة الأمازيغية بهولندا، ويتعلق الأمر هنا بالأستاذ عبد الرحمان العيساتي الذي اثأر التحاقه بهذه المؤسسة الاحتوائية استغراب واسع في صفوف الفاعلين الأمازيغي بهولندا، ومنبع هذا الاستغراب ناتج عن مواقف الأستاذ العيساتي نفسه، حيث إن استأذنا معروف برفضه الدائم والمطلق للعمل السياسي، وكان يعتبر نفسه باحث أكاديميا لا علاقة له بالعمل السياسي، وهو الآن عضو في المجلس الإداري للمعهد ، هذا أولا. وثانيا لا نعتقد إن الباحثين الأمازيغ بأوربا عامة وفي هولندا خاصة، مع احترامنا الشديد للاختيارات الشخصية لكل فرد، تنقصهم الإمكانيات المادية وغيرها للبحث في القضية الأمازيغية في مستواها الأكاديمي إذا كانوا صادقين في مواقفهم المعلنة(20).


أما على المستوى الأمازيغي فنلاحظ استمرار إقصاء وحصار الحركة الأمازيغية في عدة أماكن من الوطن، وعدم الاستجابة لمطالبها الرئيسية المتمثلة أساسا في دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية، هذا إضافة إلى:


* منع الحزب الأمازيغي الديمقراطي المغربي من مزاولة أنشطته.


* اعتقال العديد مناضلين الحركة الأمازيغية، خاصة في الجامعات.


* منع عدد كبير من الأنشطة الأمازيغية.


* فشل مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في إدماج الأمازيغية في المرافق العامة للدولة.


* وضعية الكونكريس العالمي الأمازيغي ، خاصة بعد انعقاد مؤتمره الخامس.


* عودة الثوار الأمازيغ (الطوارق) في مالي إلى حمل السلاح، وظهور كذلك بوادر تأسيس الحركة الأمازيغية بتونس، هذا إضافة إلى القمع العنيف الذي تعرض له أمازيغ ليبيا خلال السنوات القليلة الماضية


* تأسيس جمعيات الصداقة الأمازيغية اليهودية، وكذا زيارة بعض الشخصيات الأمازيغية للكيان الصهيوني خلال السنوات المنصرمة مما خلف ردود أفعال قوية.


هذا من جانب، ومن جانب أخر حاولنا كذلك مناقشة عدة إشكالات وقضايا فكرية وسياسية مغربية التي تعرقل في نظرنا بناء دولة الحق والقانون، بل أنها تتناقض حتى مع الخطاب الرسمي للدولة حول بناء المشروع الديمقراطي الحداثي كما أسلفنا القول. حيث أن السؤال المطروح في ظل هذه السياقات هو ماذا حقق الأمازيغ في ظل عشر سنوات من حكم محمد السادس؟؟.


نحن نعتقد أن المشروع " الديمقراطي الحداثي" الذي تسعى إليه الدولة لا يمكن تحقيقه على ارض الواقع في ظل الشروط الراهنة ، والحركة الأمازيغية الديمقراطية المستقلة تتبنى مقاربة منطقية وموضوعية للموضوع، تنطلق هذه المقاربة من الاقتناع بان جوهر الإشكالية ليس في حجم ومدى تدخل الدولة بقدر ما هو في نوعية التدخل أولا، وفي شروط انجاز هذا التحول ثانيا. وخلاصة القول في هذه النقطة هو أن النضال والعمل من اجل التغيير والتطور نحو الأحسن، لا يحتاج إلى تغيير القوانين فقط،، أو إلى تحديث الدولة على المستوى التقني ( استيراد التكنولوجيا)، بقدر ما أن الأمر يحتاج إلى تغيير العقليات والسلوكيات( البنية الفكرية ) مما يستدعى القيام بالثورة الثقافية أولا وقبل كل شيء.


امام هذه الوضعية المأسوية كان لابد لنا أن نساهم بقوة في الصراع الدائر من اجل تطوير بلادنا وتنمية الجوانب المشرقة من ثقافتنا المغربية بكل إبعادها، وفتح الأفاق أمام التطور الديمقراطي. وانه لمن دواعي الاعتزاز أن نسجل اليوم إسهامات الحركة الأمازيغية في نشر ثقافة الاختلاف والحوار. إن نقد التصور المخزني تجاه الأمازيعة، أو نقد أطروحات وممارسات الإطراف الأخرى داخل المجتمع المغربي تجاه الحركة الأمازيغية نقدا فكريا وسياسيا مسالة مهمة وضرورة في إطار تفعيل التصور الأمازيغي الديمقراطي التقدمي المستقل للقضية الأمازيغية أولا. وفي أطار المساهمة في تطوير البلاد ثانيا.


انطلاقا مما اوضحناه أعلاه حول أسباب ودواعي تنظيم ملتقى الريف الثاني، نؤكد على أن الغايات الأساسية والجوهرية التي من اجلها انعقد ملتقى الريف الثاني لم تكن أبدا من اجل مناقشة الدين الإسلامي، أو التهجم على القرآن الكريم، كما يؤكد ذلك السيد بولعوالي في مقاله، المشار إليه سابقا، لهذا فان ردنا هنا لا يعتبر واجبا أخلاقيا فقط ، بل انه ضرورة نضالية أيضا.






أكذوبة الإساءة للإسلام خلال ملتقى الريف الثاني:






لقد اشرنا في السطور السابقة بان السيد بولعوالي لم يكن من الحاضرين في إشغال ملتقى الريف الثاني، مما يعنى إن جميع الاحكام والمواقف التي تضمنها مقاله، المذكور أعلاه، بناها انطلاقا من الخبر الإعلامي الزائف الذي نشره احد " الصحفيين" المتهورين في الموقع الكتروني إنباء الريف وفي جريدة التجديد التابعة لحزب العدالة والتنمية، وفي مواقع ريفية أخرى بعد ذلك، وهو عمل غير معقول نهائيا، وغير موضوعي بتاتا، انطلاقا من الاعتبارات التالية:


أولا: السيد بولعوالي لم يكن من الحاضرين والمشاركين في الملتقى، كما اشرنا إلى ذلك عدة مرات، حتى يتسنى له التأكيد بنفسه من صحة الخبر أو عدمه، فالخبر الإعلامي كما هو معروف قد يكون صائبا وقد يكون خاطئا. كما انه لم يذكر الجهة التي تهجمت على الإسلام في نظره حتى يمكن إدانتها وبالتالي تحديد المسؤوليات، خاصة أن الملتقى كان مفتوحا للجميع دون استثناء.


ثانيا: لم يتضمن البيان الختامي للملتقى أية أشارة للموضوع حتى يمكن اتهام الملتقى ب "الإساءة للإسلام " (البيان منشور في عدة مواقع إخبارية وثقافية منها: موقع شبكة دليل - الريف).


ثالثا: لم يحدد الكاتب النصوص القرآنية التي تناولها " المسيئون للإسلام" حتى يكون لكلامه مصداقية ومشروعية أكثر.


فهكذا يقول الكاتب " الأمازيغي " دون ادني مراعاة لكلام الله القائل "يا أيها الذين أمنوا أن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا.." وهو الكاتب الذي يحاول الدفاع عن الإسلام، من منطلق أن الرد عن مثل هذه الأمور (الإساءة للإسلام) فرض عين وليس فرض كفاية فقط .


ولكن ما اعرفه شخصيا ويعرفه غيري كذلك، هو إن ممارسة النفاق والتضليل والتزييف محرما دينيا، كما انه لا يجوز أخلاقيا، وممنوع قانونيا أيضا. فأين يضع السيد بولعوالي نفسه من هذه الأمور التي اخترقها جميعا؟.


ليس هذا فقط ، بل إن السيد بولعوالي تمادى في توزيع التهم المجانية في حق الجمعيات المغربية بهولندا عموما، والجمعيات الأمازيغية خصوصا، حيث قال ما يلي [ وغالب ما تكون تلك الأنشطة عبارة عن سهرات غنائية يعمها الرقص والضجيج، فما هو نصيب الأمازيغية من ذلك كله، هل سمعنا عن دراسات علمية تهم اللغة والتاريخ والثقافة الأمازيغية، قامت بها جمعيات أمازيغية أو مغربية ].


شخصيا لم اسمع طيلة حياتي، أو قرأت في كتاب ما أو جريدة ما، أن تطوير اللغة والثقافة والتاريخ من اختصاصات الجمعيات المدنية التطوعية، ونتمنى صادقين أن نكون مخطئين في هذه الفكرة حتى نصحح معلوماتنا حول هذه النقطة بالذات .


بكل صراحة هذا الكلام غريب ومضحك في نفس الوقت، كاتب " ومثقف أمازيغي" يفترض فيه انه يعرف أكثر من غيره معانات وإكراهات العمل الجمعوي الأمازيغي، وهو ينتظر من الجمعيات الأمازيغية انجاز دراسات علمية في اللغة والثقافة والتاريخ الأمازيغي ، أليس هذا غريب ومضحك في نفس الوقت؟. وفي هذا السياق نصوغ بعض الأسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح في هذا المقام بالذات.


أولا: متى كانت الدراسات العلمية تنجزا من طرف الجمعيات التطوعية حتى نعيب ذلك على الجمعيات الأمازيغية؟.


ثانيا: من قال أن الجمعيات الأمازيغية بهولندا وجدت من اجل انجاز والقيام بالدراسات العلمية حول اللغة والتاريخ والثقافة الأمازيغية، أتمنى من كاتبنا أن يذكر لنا اسم جمعية أمازيغية واحدة وضعت مسالة أنجاز دراسات علمية في اللغة والتاريخ والثقافة الأمازيغية من ضمن أهدافها؟.


وهنا يجب التمييز والتفريق بين انجاز دراسات علمية حول اللغة الثقافة والتاريخ الأمازيغي من جهة ، وبين الدفاع والتعريف بها ودعمها من جهة أخرى.


ثالثا: وهل الجمعيات المدنية التطوعية هي التي قامت بتطوير اللغة العربية أو اللغة الهولندية أو الفرنسية أو غيرها من اللغات الأخرى؟؟.


بصراحة، لا ادري كيف توصل الأخ بولعوالي إلى هذه الخلاصة البائسة، وهو الشخص "المثقف الأمازيغي" الغائب دائما عن الأنشطة الثقافية والسياسية التي تنظمها الجمعيات الأمازيغية بهولندا على مدار السنة، ولا ادري بالمناسبة أين كان يختبئ (موجود) لما كانت الجمعيات الأمازيغية تنظم وقفات احتجاجية أمام السفارة المغربية بلاهاي حول منع الأسماء الأمازيغية، وتنظم في نفس الوقت وقفات احتجاجية مماثلة امام البرلمان الهولندي للمطالبة بتدريس اللغة الأمازيغية لما كانت اللغات الأصلية تدرس في المدارس العمومية بهولندا؟


كما لا ادري أين كان الأخ الكاتب لما كان المناضلين الأمازيغ بهولندا يتعرضون للمضايقات والاستفزازات من طرف بعض الجهات الدينية واليسارية بهولندا إبان ظهور الجمعيات الأمازيغية مع بداية التسعينيات من القرن المنصرم؟


لهذا نعتقد انه من الطبيعي أن يقول السيد بولعولي هذا الكلام، لأنه ببساطة هو الشخص الغائب دائما في أنشطة الجمعيات الأمازيغية بهولندا، حيث أن الحضور الوحيد الذي يمكن أن نسجله للكاتب هو حضوره احد الأمسيات الثقافية التي نظمتها جمعية الحركة الأمازيغية بهولندا سابقا، غير هذا لم نسمع قط ان الكاتب شارك في احد الأمسيات الثقافية التي تنظمها الجمعيات الأمازيغية على مدار السنة.


انطلاقا من هذه الحقيقة أيضا، فان السيد بولعوالي الذي يعتبر نفسه " مثقفا أمازيغيا " لم يساهم لا من بعيد ولا من قريب في تطوير العمل الأمازيغي بهولندا، أما حكاية تأسيسه لجناح خاص لدراسة الإعلام الأمازيغي في جامعة لاهاي الحرة، فأنني أفضل عدم الحديث عن ذلك في هذه المقالة، لان ذلك ببساطة يعتبر استهتارا وتنقيصا من قيمة الأمازيغية، ومن قيمة الإعلام الأمازيغي تحديدا. كما ندرك جيدا السياقات التي تم فيها تأسيس هذا الجناح، و نعرف كذلك أية نوعية من " الشواهد" التي يتم تسليمها للطلبة.


إن جميع الفاعلين والمهتمين بالشأن الثقافي الأمازيغي بهولندا، وخاصة الساكنين في مدينة دنهاخ (لاهاي) يعرفون جيدا انه لا توجد جامعة عربية بمدينة لاهاي، وكل ما هو موجود هو الاسم، وبناية دون قاعات لتدريس( قاعة مكونة من بعض المكاتب فقط) وسط منطقة صناعية بامتياز، منطقة خاصة لبيع السيارات بكل أنواعها.






الهجرة والقضية الأمازيغية:






1: البداية:






لا شك إن ظهور العمل الأمازيغي بهولندا، مع بداية التسعينيات القرن الماضي، على يد مجموعة من المناضلين والباحثين الأمازيغ (21)، كان نتيجة عوامل حاسمة أدت إلى انطلاق العمل الأمازيغي بهولندا، وهي عوامل برزت بوضوح ما بين مرحلة إصدار ميثاق أكادير سنة 1991 إلى مرحلة " تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية " سنة 2001 ، وهي عوامل تتعلق أساسا بتطور الأحداث على المستوى الدولي، خاصة بعد انهيار جدار برلين، وكذلك التطورات التي عرفها بلادنا على المستوى السياسي والحقوقي. كما إن تطور مسار الهجرة المغربية بهولندا ساهم بشكل كبير في بروز العمل الأمازيغي في هذا البلاد(هولندا). فعلى المستوى الدولي يمكن الإشارة إلى العوامل التالية:


- تنامي الوعي الدولي بحقوق الإنسان.


- بروز قضايا الأقليات على مسرح الأحداث الدولية ( الحرب في البوسنة والشيشان ..)


- الانتشار الواسع للتكنولوجيا المعلوماتية مما ساهم في تسهيل عملية التواصل، ومتابعة الأحداث ( نشير هنا إلى دور المواقع الكترونية)


- انتفاضة الأمازيغ بمالي سنة 1993


- تأسيس المؤتمر العالمي الأمازيغي بفرنسا سنة 1995


- انتفاضة القبائل الثانية في ابريل2001


على المستوى الداخلي: لعبت التطورات السياسية والثقافية والاجتماعية والحقوقية في المغرب دورا أساسيا في تعزيز الوجود الأمازيغي بهولندا، فكريا وتنظيميا وإعلاميا، حيث يمكن الوقوف عند مجموعة من العوامل التي ساهمت بشكل متفاوت في بروز الفعل الأمازيغي، نشير بعجالة إلى العوامل التالية:


أ : على المستوى الوطني( المغرب):






- التعديل الدستوري (1992 – 1996 )


- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين إلى البلاد.


- تشكيل حكومة التناوب يوم 14 مارس 1998 .


- تولي الملك محمد السادس الحكم في يوليوز 1999






ب: على المستوى الأمازيغي:






- إصدار ميثاق أكادير سنة 1991 .


- تأسيس المجلس الوطني للتنسيق يوم 19 فبراير 1993 – 1997.


- اعتقال مجموعة من مناضلين الأمازيغ (أعضاء جمعية تيللي بالرشيدية) سنة 1994.


- خطاب الحسن الثاني سنة 1994 حول تدريس " اللهجات " الأمازيغية كما اسماها آنذاك بمناسبة 20 غشت 1994.

- صدور مجموعة من المجلات والجرائد الأمازيغية نشير على سبيل المثال وليس الحصر إلى: جريدة تاسافوت – مجلة تيفيناغ – مجلة تاماكيت- مجلة تيفاوت- مجلة تاوسنا- جريدة تامونت – أكراو أمازيغ – جريدة تاويزا – جريدة العالم الأمازيغي وغيرها من المنابر الإعلامية الأمازيغية .

- صدور بيان محمد شفيق في مارس 2000

2 : تطورات الهجرة المغربية بهولندا:

يعتبر تطور الهجرة المغربية، سواء على المستوى الأوربي بشكل عام، أو على المستوي الهولندي بشكل خاص، احد الأسباب الرئيسية في البروز الملفت للعمل الأمازيغي الاحتجاجي بهولندا خلال العقدين الأخيرين من تاريخ الهجرة المغربية الممتدة عبر أزيد من أربعين سنة من تواجد المغاربة في هذا البلاد. تتجلى أهمية هذا العامل في التحول الجذري في مسار الهجرة المغربية بهولندا، حيث ستنتقل من الهجرة المؤقتة إلى الهجرة الدائمة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يتجلى في تغيير التركيبة البشرية للهجرة، مقارنة مع العقود السابقة(الطلبة، محامون، أساتذة، صحفيون، شعراء ..) .


هذه العوامل لعبت في اعتقادنا المتواضع دورا أساسيا في بروز والدفع بالعمل الأمازيغي بهولندا إلى الإمام، هذا إضافة إلى العوامل (الخارجية والداخلية) السابقة الذكر. إلى جانب هذه العوامل هناك بطبيعة الحال مجموعة أخرى من العوامل التي ساهمت هي أيضا في بروز العمل الأمازيغي وهي:


- فوز المفكر الأمازيغي محمد شفيق بجائزة الأمير كلاوس


- تأسيس الرابطة العربية الإسلامية التي قبلت باحتجاجات عارمة من قبل الجمعيات الأمازيغية بهولندا لأسباب سياسية وليست مبدئية أو عرقية كما كان يشيع آنذاك بعض الإسلاميين واليساريين المغاربة بهولندا. على اعتبار أن رئيس هذه المنظمة (تحولت فيما بعد إلى حزب سياسي) من أصل لبناني، بل أن رفضنا ومناهضتنا القوية آنذاك لهذه المنظمة كان موقفا سياسيا محضا، نظر لمشروعها السياسي المبني على " العروبة والإسلام".

3: إسهامات أمازيغ هولندا:

وألان، بعد عقدين(تقريبا) من النضال الأمازيغي في هذا البلد (هولندا)، يمكن لنا القول إن الجالية الأمازيغية بهولندا حققت مجموعة من التراكمات النضالية والفكرية، على عدة مستويات، وخاصة على المستوى السياسي والإعلامي، والأدبي والفني .

فهكذا يمكن لنا الإشارة على المستوى السياسي إلى عدة أسماء وشخصيات أمازيغية مرموقة ومعروفة على الساحة السياسية بهولندا، نشير على سبيل المثال إلى: السيد احمد أبو طالب(عمدة مدينة روتردام )،نعيمة أزوغ عضوة برلمانية، علي الأزرق عضو برلماني سابق، احمد مرقوش رئيس فرع المجلس البلدي لمدينة أمستردام ، فاطمة العتيقة محافظة القانون في بلدية أمستردام، محمد المهندس رئيس الشباب الاشتراكي وعدة شخصيات أخري.(22)


على المستوى الإعلامي يمكن الإشارة إلى: مصطفى أعراب مدير قناة تلفزيونية، مصطفى أقبيح مراسل صحفي من الشرق الأوسط ، نوال البقالي مقدمة الأخبار، وفؤاد الصيدلي منشط برامج تلفزيونية، والصحفي الصاعد عزيز أينان، والقائمة مازالت طويلة حيث لا يمكن لنا ذكر جميع الأسماء لضيق المجال.


وفي الجانب الأدبي يمكن الإشارة إلى بعض الأسماء المرموقة كذلك سواء في هولندا أو خارجها، نذكر على سبيل المثال: الكاتب الهولندي الأمازيغي الأصل عبد القادر بنعلي(روائي)، سعيد حجي (روائي أمازيغي) ، حفيظ بوعزا(روائي أمازيغي) احمد بن صديق(شاعر أمازيغي) محمد شاش( شاعر أمازيغي) محمد امزيان (مؤرخ أمازيغي) محمد العبدوني (كاتب أمازيغي).


على المستوى الفني: نذكر نجيب أمهلي (فنان مسرحي أمازيغي)، محمد شار( ممثل امازيغي) ميمون أولاد ألرادي (ممثل أمازيغي) علي بي( مغني أمازيغي) وأمحمد ابطوي ( فنان تشكيلي أمازيغي) والقائمة تمتد إلى عدة أسماء أخرى لا يتسع المجال لذكرها جميعا .


أما على المستوى العلمي (الأكاديمي) وخاصة في المجال اللغوي، فيمكن الإشارة إلى مجموعة من الأبحاث العلمية على مستوى اللغة الأمازيغية في جامعة تلبورخ وجامعة اتريخت وجامعة ليدن، ونشير في هذا الصدد إلى بعض الأسماء البارزة في هذا المجال ونذكر بالخصوص عبد الرحمان العيساتي أستاذ جامعي، أمينة الفقيوي أستاذة جامعية وباحثة في اللغة الأمازيغية، فريد بورجيل أستاذ باحث، إضافة إلى مجموعة من الباحثين الهولنديين في مجال اللغة والثقافة الأمازيغيتين كما أن الجمعيات الأمازيغية لم تساهم في احتضان والتعريف بالمناضلين والمبدعين الأمازيغ فقط ، بقدرما ساهمت أيضا في أنتاج عدة فرقة غنائية، نخص منها بالذكر كل من الفنان الملتزم شكري ومجموعة إمتلاع التي تعتبر سفيرة الأغنية الأمازيغية بهولندا.


هذا إضافة إلى أن الجمعيات الأمازيغية بهولندا كانت ومازالت الملجأ ربما الوحيد أمام المناضلين الأمازيغ إثناء أوقات الشدة.(23) حيث استضافت مجموعة من الكتاب والمناضلين الأمازيغ نذكر منهم: المرحوم قاضي قدور، محمد الشامي، احمد بوكوس، محمد شفيق، احمد الدغرني، إذ بلقاسم، احمد ارحموش، فاروق ازنابيط،، محمد صلو، المرحوم إدريس بنزكري، احمد عصيد، سعيد الخطابي، طارق يحي، محمد الزياني، علي بالمزيان، محمد بودرا، احمد بلعيش، فاطمة الو رياشي، شكيب الخياري، رشيد رخا وغيرهم من الكتاب والمناضلين الأمازيغيين المعروفين في الساحة السياسية والثقافية بالمغرب .


وحينما نستذكر هذه الأسماء كلها، فأننا لا نذكرها من اجل الذكرى فقط، لعل الذكرى تنفع المؤمنين ، وإنما نذكرها من اجل التأكيد للسيد بولعوالي وغيره من المهتمين أن الحركة الأمازيغية بهولندا، المتمثلة أساسا في الجمعيات والفعاليات الأمازيغية لا تنظم فقط أنشطة " الرقص والغناء" بقدر ما تنظم أيضا لقاءات فكرية وسياسية من العيار الثقيل. بحيث تتناول هذه الأنشطة مواضيع ساخنة في المشهد المغربي عموما، والمشهد الأمازيغي خصوصا، مثل : مسالة الانتقال الديمقراطي بالمغرب، حقوق الإنسان، المصالحة الوطنية، تغيير الدستور، حقوق المرأة، الحكم الذاتي، التنمية، الهوية الوطنية، المساواة، المواطنة، اللغة ، الثقافة، وغيرها من مواضيع الساعة في المشهد الثقافي والسياسي في بلادنا.


أمام هذا الزخم المتزايد من إسهامات الحركة الأمازيغية بهولندا في دعم وتطوير الحركة الأمازيغية بالداخل، سواء ماديا أو معنويا، وذلك عبر استضافتها للكتاب والمناضلين الأمازيغ من جهة، أو عبر عقدها وتنظيمها للقاءات مشتركة مع جمعيات أمازيغية في الداخل من جهة ثانية. هذا مع استحضار صعوبة المهام النضالية التي تقوم بها الجمعيات الأمازيغية بهولندا، حيث أنها تناضل داخل المجتمع الهولندي، وبالتالي فأنها تحاول أن تساهم في النقاش السياسي والاجتماعي الدائر في هولندا عموما، والمتعلق بالأجانب خصوصا، وتناضل في نفس الوقت من اجل دعم النضال الأمازيغي في تامازغا عموما، وفي المعرب تحديدا. ونشير في هذا الصدد إلى الندوة الوطنية التي عقدتها الحركة الأمازيغية بهولندا سابقا حول الحركة الأمازيغية الليبية واستضافتها لكتاب أمازيغ لليبيين وجزائريين وماليين..


أمام هذه المعطيات الموضوعية التي لا تخفى على أي متتبع نزيه للمشهد الثقافي الأمازيغي بالمغرب، وهولندا على حد سواء، نتساءل ما جدوى إنكار واختزال السيد بولعوالي العمل الأمازيغي الذي يقارب عقدين من النضال داخل الساحة الهولندية في " الرقص والغناء" وهو " المثقف الأمازيغي " الذي لا يجب أن يعرف هذه الحقائق والمعطيات فقط، وإنما يجب أن يدافع عنها وينصف المناضلين الأمازيغ مهما اختلف معهم في المواقف والتصورات والمرجعيات؟.


على أية حال فكلام السيد بولعوالي ليس بريئا وموضوعيا، حيث يطغى عليه الجانب السياسي والإيديولوجي أكثر من الجانب العلمي والموضوعي. فكيف يمكن للكاتب يدعى انه "مثقفا أمازيغيا" إن يتجاهل الدور التاريخي الذي لعبته الجمعيات الأمازيغية بهولندا في عملية إعادة الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغيتين في هذا البلاد؟. وهل يمكن الحديث عن الأمازيغية بهولندا دون الوقوف عند دور الجمعيات الأمازيغية في انبعاث الوعي الأمازيغي في هذا البلاد؟.


وكيف يمكن للإنسان المثقف والواعي أن ينتظر من جمعيات ذاتية تطوعية لا تتوفر (معظمها) حتى على مقر عقد اجتماعاتها العادية إن تنجز دراسات علمية أكاديمية حول التاريخ واللغة والثقافة الأمازيغية؟ وهل من المنطقي اعتبار انجاز الأبحاث العلمية هو المقياس الوحيد لتقييم إشغال وإعمال الجمعيات الأمازيغية بهولندا؟. وإذا كانت هذه احد مهام الجمعيات المدنية الذاتية في نظر الكاتب فما هو دور الدولة المغربية في هذا المجال؟ ولماذا أسست ما يسمى " بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" هل فقط من اجل احتواء الحركة الأمازيغية أم من اجل أشياء أخرى؟. وهل تطوير اللغة العربية كان على يد جمعيات مدنية تطوعية؟

شمال إفريقيا والغزو العربي:

لا شك أن دخول الإسلام إلى منطقة شمال إفريقيا ؛ بلاد الأمازيغ، يعتبر من ابرز الأحداث الفاصلة في تاريخ الأمازيغ على الإطلاق، وأهمية هذا الحدث لا تكمن فقط في كيفية دخول هذا الدين الجديد في حياة الأمازيغ أو في كيفية انتشاره بين الأمازيغ الذين يعتبرون من بين الأمم الأوائل القديمة التي عرفت ظاهرة الاعتقاد في وجود قوة خارجية تتحكم في مصيرها، وفي وجود حياة أخرى بعد الموت، كما عرف بعض الظواهر الدينية التي يمتزج فهيا الدين بالسحر.(24) بقدر ما أن أهمية هذا الحدث تكمن في الدور الحاسم الذي سيلعبه الإسلام في تغيير حياة إمازيغن، ليس فقط على المستوى الديني والثقافي واللغوي، بل حتى على المستوى السياسي، حيث سيلعب هذا العامل الجديد (الإسلام) دورا أساسيا في تأسيس وبروز دول أمازيغية إسلامية فيما بعد.(25)


وباختصار شديد، ثمة العديد من القضايا والتساؤلات الشائكة في الجدال الدائر حول علاقة إمازيغن بالإسلام من جهة، وحول علاقة إمازيغن بالعرب من جهة أخرى. وهذه التساؤلات والإشكالات كانت ومازالت قائمة ومطروحة على الباحثين والمؤرخين الذين يهتمون بتاريخ تامازغا،(26) سواء في مراحه القديمة أو في مراحله الحديثة.


ومن الحكايات المعروفة والمتداولة بشكل واسع حول هذه الواقعة، وحول ما تفرع عنها من القضايا والإشكالات العويصة في التاريخ الأمازيغي، إلى درجة أنها أصبحت مع مرور الزمن، ونتيجة تكرارها الدائم، من المسلمات والمطلقات التي لا يجادل في صحتها احد، من قبيل القول أن " الامازيع ارتدوا عن الإسلام" - " الأمازيغ حاربوا الإسلام" كما أردف صديقنا بولعولي يقول في كتابه الإسلام والأمازيغية (ص 88 /100 ). كما أن الكتابات العربية تقول أن " إمازيغن اعتنقوا الإسلام طواعية"، ومنها كتابات السيد بولعولي حيث أورد يقول في مقاله السالف الذكر[ الإسلام يعتبر مكونا ثابتا في الذات الأمازيغية، وأن أجدادنا اختاروا هذا الدين عن طواعية..]


في تقديرنا الخاص، هذا النوع من الكلام غير صحيح بتاتا، سواء من الناحية المنطقية أو من الناحية العلمية. فهل عملية " الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا " الهادفة إلى نشر الإسلام كما يقول السيد بولعولي في كتابه السابق الذكر وليس إلى الاستعمارتستدعى استقدام أزيد من 10 ألاف جندي كما يخبرنا صاحب مفاخر البربر؟(27) وإذا كانت الغاية الأساسية من عملية " الفتح " هو نشر الإسلام في ربوع شمال إفريقيا فالأمازيغ والحمد لله مسلمون وشمال إفريقيا كلها تدين بالإسلام، فلماذا ظل العرب في شمال إفريقيا إذن؟


هناك العديد من القرائن التي تدحض مثل هذا الكلام ، ومن اجل أن نضع القارئ الكريم في الصورة الكاملة لما نريد قوله وتوضيحه في هذا المقام، نورد هنا ما قاله المرحوم علي أزيكو في الموضوع " إذا كان بعض الإخباريين يرددون الكلام عن ارتداد الأمازيغ فان هذا الارتداد لم يثبت انه كان ارتدادا دينيا بالمعنى الصحيح لان الظروف التي اسلم فيها من اسلم منهم آنذاك لم تكن تسمح لهم باعتناق الإسلام عن طواعية واقتناع، إذ كان قبولهم للإسلام نتيجة لتحالف سياسي أو قبلي أكثر من أي شيء آخر" (28).


فمن خلال هذا النص يمكن لنا استنتاج خلاصتين مهمتين للغاية أولها: إن دخول الأمازيغ في الدين الجديد لم يكن طواعية وعن طريق الاقتناع كما يقول الأخ بولعوالي، بقدر ما كان عن طريق القوة والعنف كما هو معروف ومؤكد في العديد من المصادر التاريخية الحديثة. وثانيها: وهي أن الأمازيغ لم يحاربوا الإسلام كما قال الأخ بولعوالي في كتابه السابق الذكر (ص 94 ) بل أن الغضب الأمازيغي كان تجاه العرب( تجاه الأمويون تحديدا) وليس الإسلام.


لهذا نقول إننا نستطيع الجزم، بان الخلاف والصراع الذي كان بين الأمازيغ والعرب لم يكن في عمقه وجوهره صراعا حول رفض الأمازيغ للإسلام بل كان حول الحكم العربي، وضد طبيعته الشرسة والعنيفة في الحكم كما يقول محمود إسماعيل(29).


وقبل ان نعود إلى فحص وتحليل ما أورده الأخ بولعوالي في مقاله الأنف الذكر، وفي باقي كتاباته المتعلقة بالأمازيغية، كما سبق القول، نود الإشارة إلى نقطتين هامتين وأساسيتين فيما نحن بصدد الحديث عنه هنا ، وهي:


النقطة الأولى : تشير مختلف المصادر التاريخية أن عملية انتشار الإسلام في بلاد الأمازيغ لم تتم بين عشية وضحاها ، بل انه استمر للسنوات (قرون) طويلة جدا.


النقطة الثانية: تفيد المصادر التاريخية أن عملية نشر الإسلام تمت على يد النخبة الأمازيغية آنذاك، خاصة أئمة الخوارج الأمازيغ، أكثر من أية جهة أخرى.(30) كما أن الزعماء والمفكرين الأمازيغ لعبوا دورا تاريخيا في نشر الإسلام (طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين مثلا) من جهة، والمساهمة في تطوير الحضارة الإسلامية من جهة ثانية، ويمكن الإشارة إلى بعض الأسماء الأمازيغية المرموقة في العهد القديم، مثل: ابن رشد ، ابن خلدون، عباس بن فرناس والإمام يحي بن كثير صاحب كتاب تفسير ابن كثير(31) وفي العهد الحديث نشير إلى محمد عابد الجابري ومحمد أركون وغيرهم كثيرون.


بعد هذه الإطلالة التاريخية القصيرة حول الغزو العربي لشمال إفريقيا مع بداية القرن السابع الميلادي، نعود إلى مناقشة والتعليق على ما قاله الأخ بولعوالي في مقاله الأنف الذكر، حيث يتضح لي في كل مرة، وتزداد قناعتي كلما أقرأ له مقالا ما ، ان الرجل " المثقف الأمازيغي" غير قادر على الخوض في الإشكالات الحقيقية للأمازيغ بشكل علمي وموضوعي.


نعم الدين بشكل عام، والإسلام بشكل خاص، جزء لا يتجزأ من الذات الأمازيغية والذاكرة الجماعية للشعب الأمازيغي ولا احد من المناضلين الأمازيغ ينفي ذلك أطلاقا، ولكن في المقابل لا يجب قبول الأشياء هكذا عبثا فقط، وخاصة إذا كانت الحقائق التاريخية تؤكد عكس ما ساد من الإشاعات والافتراءات حول دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا، وحول اعتناق الأمازيغ للدين الإسلامي الذي نحترمه ونعتز بالانتماء إليه فلا داعي للمزايدة في هذا الموضوع.


كيف يقال لنا أن الأمازيغ اختاروا الإسلام طواعية وانتهى النقاش؟.


إن القول بمثل هذا الكلام لا يعبر فقط عن النفاق الفكري (المحرم دينيا) الذي يمارسه الكاتب على قرائه، بل يعبر أيضا عن سذاجة الكاتب. إن وصف مرحلة الغزو العربي لشمال أفريقيا من قبل العرب بذريعة نشر الإسلام، التي كانت في جوهرها وإبعادها الخفية هي حركة سياسية توسعية تسعى إلى السيطرة ونهب خيرات أفريقيا، وليست حركة دينية، كما تخبرنا بذلك العديد من الكتابات التاريخية الحديثة، ومنها كتابات عبد الله العروي(انظر العرب والفكر التاريخي) لا تعني بالضرورة أننا (الأمازيغ) ضد الإسلام أو العرب، ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن رغبة الأمازيغ في العودة إلى ما قبل الإسلام فهذه المسالة مستحيلة وغير ممكنة نهائيا، كما أنها غير واردة في أدبيات الحركة الأمازيغية، بقدر ما أنها موجودة فقط في مخيلة الخصوم الذين يخشون من الزحف الأمازيغي. كل ما هنالك هو أن الحركة الأمازيغية تريد إعادة كتابة التاريخ الحقيقي للشعب الأمازيغي، سواء كان هذا التاريخ يتعلق بمرحلة ما قبل دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا أو بعد دخوله، كتابة التاريخ كما هو بشكل علمي ومحايد، دون زيادة أو نقصان. هذا ما تطالب به الحركة الأمازيغية( مطلب إعادة كتابة تاريخ المغرب) فقط ولا تطالب بالعودة إلى ما قبل الإسلام فهذا كلام فارغ ولا أساس له من الصحة نهائيا.


هذا من جانب ومن جانب أخر، نحن لا نناقش الإسلام كدين الهي منزل ومقدس ولا نناقش حقيقية وشرعية نبينا الكريم محمد(ص) بقدر ما أن الحركة الأمازيغية تناقش استغلال الدين لتحقيق إغراض سياسية ضيقة، هذا أولا، وثانيا تناقش التاريخ الإسلامي الذي هو تاريخ بشري غير مقدس.


فكيف يمكن على سبيل المثال نفي الحروب والمواجهات الدموية التي دارت بين الأمازيغ السكان الأصليون لشمال إفريقيا وبين الجيوش العربية الإسلامية التي غزت بلادهم؟ أين سنضع ما يزيد عن 70 سنة من الحروب والمواجهة الطاحنة بين الطرفين؟(32).


ألا يرى السيد بولعوالي أن مثل هذه الأفكار تتنافى وتتناقض مع المعطيات والحقائق التاريخية التي تؤكد الاستعمال الواسع للسلاح إثناء الغزو العربي ، أو الفتح العربي كما يسميه هو في كتابه المذكور سابقا(صفحة 21 -22 ..) لمنطقة شمال إفريقيا، فأين يضع السيد بولعوالي حادثة مقتل 700.000 جندي أموي على يد الأمازيغ في المعارك التي دارت بين الأمويين والسكان الأصليون ؟(33).






الحركة الأمازيغية والإسلام:






عادة ما يثير خصوم الأمازيغية، وخاصة تيار الإسلام السياسي والتيار القومي العروبي، مسالة الإسلام واللغة العربية في صراعهم المستميت ضد الحركة الأمازيغية، نظرا لأهمية هذا الموضوع في إثارة مشاعر وعواطف المواطنين، وبالتالي محاولة اكتساب اكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين أثناء الانتخابات. وتجدر الإشارة إلى إن الظروف الوطنية والدولية السائدة حاليا تساعد بشكل كبير على قبول وهضم هذه النوع من الخطاب النفعي الضيق من طرف عموم الجماهير. ومن اجل إزالة الغموض والالتباس تجاه موقف الحركة الأمازيغية من الإسلام باعتباره دين أغلبية الأمازيغ المغاربة، وتجاه اللغة العربية باعتبارها حقيقية موضوعية قائمة في المجتمع المغربي، سنحاول هنا ملامسة موقف الحركة الأمازيغية من الإسلام أولا، واللغة العربية ثانيا.


وقبل التطرق إلى معالجة ومناقشة هذا الموضوع، لابد من التذكير بثلاثة نقط تبدو لي في غاية الأهمية لتوضيحها قبل الانتقال لمعالجة موقف الحركة الأمازيغية من الإسلام واللغة العربية.


النقطة الأولى: وهي إن الصراع القائم بين الحركة الأمازيغية وتيار الإسلام السياسي من جهة، والصراع الدائر بين الحركة الأمازيغية والتيار القومي العروبي من جهة أخرى، هو في العمق صراعا حول المرجعيات والانتماء، أو بمعنى أخر هو صراع إيديولوجي محض، وليس صراعا حول العقيدة أو حول اللغة العربية، كما يشيعون ذلك في حطاباتهم وكتاباتهم .


النقطة الثانية: إن الخطاب المنتج حول الأمازيغية في المغرب المعاصر هو في مجمله خطاب إقصائي عنصري، حيث يعتمد على الثنائية " العروبة والإسلام". وفي هذا السياق يمكن القول إن جل الخطابات المنتجة حول اللغة والثقافة والتراث والتاريخ، وكل ما يرمز إلى الهوية الأمازيغية هي خطابات متشابهه أن لم تكن متطابقة.


النقطة الثالثة: الفارق الموجود بين خطاب الحركة الأمازيغية وخطاب الحركات الإسلامية هو الفارق بين الانفتاح والانغلاق. بين مفهوم الانفتاح المعتمد على القيم والمبادئ الحضارية الكونية المتجسدة في الديمقراطية، العلمانية، الحداثة ، النسبية، الحرية، التعايش، التعدد والتنوع، وبين مفهوم الانغلاق المعتمد على الذات ونفي الأخر ووحدة العقيدة والدم، بل في أحيان كثيرة حول وحدة المذهب.


انطلاقا من هذا علينا أن ألا ننخدع كثيرا بما يبدو على سطح هذا الخطابات، ومنها خطابات السيد بولعوالي، من حرص على إبراز أن مدخله لمناقشة القضية الأمازيغية هو مدخل الحرص والدفاع عن الأمازيغية من جهة، ومن اجل حمايتها من الاختراق الخارجي من جهة ثانية.






أولا: ملتقى الريف الثاني ومسالة " الإساءة للإسلام" :






حول هذه النقطة بالذات أود التأكيد على ثلاث نقط في غاية الأهمية فيما نحن بصدد الحديث عنه في هذا المقام.


النقطة الأولى: لم يتم إثناء إشغال الملتقى المذكور أعلاه أية إساءة للإسلام إطلاقا، وبأي شكل من الإشكال، إما خارج إشغال الملتقى فلا تتحمل إدارة الملتقى أية مسؤولية كانت، خاصة أن الملتقى كان مفتوح في وجه الجميع دون استثناء. كما أن الملتقى عرف حضور العديد من الهيئات والجمعيات من مختلف المدن المغربية، وعرف أيضا حضور مواطنين عادين ( لا يمثلون أية هيئة أو جمعية) . انطلاقا من هذه الحقيقة فان إدارة الملتقى لا تتحمل أية مسؤولية مما ينسب من التهم المجانية في حق المشاركين في الملتقي.


فكل ما هنالك في حدود معرفتي ومتابعتي عن كثب لإشغال الملتقى، ومن داخل الملتقى نفسه، باعتباري أحد المنظمين للملتقى، هو محاولة احد الأساتذة المشاركين، ويتعلق الأمر هنا بالأستاذ الباحث الحسين الإدريسي( للإشارة مداخلته منشورة في كتاب تحت عنوان: الأمازيغية الدين والحداثة - بحث في حدود العلاقة، منشورات الشبكة الأمازيغية من اجل المواطنة) الذي قدم قراءة نقدية تاريخية حول تطور ظاهرة الدين في شمال أفريقيا، حيث قال الأستاذ الباحث ما يلي " ومن هذا المنطلق فان الظاهرة الدينية في الوسط الأمازيغي ليست جديدة أو حبيسة الاعتقاد الإسلامي، بل هي إحساس فردي واجتماعي يضرب بجذوره في تاريخ المنطقة الأمازيغية، فقد تدين الأمازيغييون بالمجوسية واليهودية والمسيحية، وهو ما يبرهن على أن الدين ظل في منطقة شمال إفريقيا عاملا متغيرا في الوقت الذي كانت فيه الهوية الأمازيغية عنصرا ثابتا .."( ص 10 من نفس المداخلة).


ومن خلال هذا النص نستنتج أن العامل الديني لا يعبر بالضرورة عن الهوية الأصلية للإنسان، باعتبار إن الدين شيء متغير باستمرار والهوية شيء ثابت على الدوام ( نقصد هنا الهوية الجماعية وليس الهوية الفردية) فكم من شخص غير دينه ولم يغير هويته؟.


نشير في هذا السياق على سبيل المثال فقط، إلى المفكر الفرنسي الماركسي المسيحي الأصل، وهو الأستاذ روجي جارودي صاحب كتاب " الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" الذي اعتنق الإسلام فيما بعد، ولكنه ظل فرنسيا الهوية بمعنى انه حافظ على اللغة الفرنسية وتقاليد وعادات الفرنسيين، ولم يتحول إلى إنسان عربي باعتباره مسلم الديانة.


طبعا الإسلام يشكل مكونا مهما من مكونات الثقافة الوطنية ولا يعتبر هوية في حد ذاتها كما يصورها البعض، حيث أن الهوية تتحدد أساسا من المحددات التالية: اللغة - الثقافة - التاريخ والأرض.


كما أضاف الأستاذ الإدريسي يقول " إن اندماج الأمازيغ في الديانة اليهودية والمسيحية لم يكن اندماجا عرقيا وقوميا يتنكر لهويته، بل كان إيمانا عقائديا على أساسا أن الهوية الأمازيغية ظلت هي المحتضن والمستقبل الثابت" (ص 17 من نفس المرجع أعلاه). تماما كما هو الوضع مع الأتراك والماليزيين وغيرهم من الأمم والشعوب التي اعتنقت الإسلام ولم تغير هويتها الأصلية.


ونظرا لكون أن الدين في تاريخ الأمازيغ ظل وافدا ومتعددا، مما يجعله يصطبغ بالصبغة الوطنية، الذي افرز لنا يهودية أمازيغية ومسيحية أمازيغية، حسب قول الأستاذ الإدريسي (ص 17 وما بعدها من نفس المرجع) فإننا يمكن الحديث عن الإسلام الأمازيغي.


بعد هذه النظرة التقريبية (مقارنة) التي أجراها الأستاذ الإدريسي لتطور ظاهرة الدين في شمال إفريقيا، خصص بعد ذلك جزءا مهما من مداخلته لنقد الغزو العربي لشمال إفريقيا، انطلاقا من النقد التاريخي ، مبرزا في ذات الوقت أن الجرائم التي ارتكبتها الدولة العربية الإسلامية بقيادة الأمويين في حق سكان شمال إفريقيا تتناقض طولا وعرضا مع المبادئ العامة للإسلام.


كما حاول أيضا مناقشة التأثيرات الناتجة عن الغزو العربي لشمال إفريقيا ، حيث وصفه ابن خلدون بالشكل التالي " ودخلوا البلد واستباحوه واكتسحوا المكاسب، وخربوا المباني وعاثوا في محاسنها وطمسوا من الحسن والرونق معالمها(24 ص من نفس المداخلة) وخاصة تأثير هذا الغزو على الهوية الوطنية للأمازيغ.


ومن بين النتائج والاستنتاجات التي توصل إليها الأستاذ الإدريسي في بحثه القيم هو إن الأسباب والدواعي التي تحكمت في عقلية العرب المسلمين لغزو شمال إفريقيا لا تختلف بتاتا عن عقلية الرومان المسيحيين في غزوهم لشمال إفريقيا، وهي عقلية النهب والسرقة والاستعمارـ حيث قال ما يلي " إذا ما قارنا الوضع الأمازيغي الإسلامي بالوضع الأمازيغي المسيحي السالف الذكر فلن نلحظ تغيرا واختلافا بين الأغراض الرومانية التي كانت تنظر إلى منطقتنا على أنها خزان لتزويد روما بالقمح، وبين الأغراض الأموية التي كانت ترى أن التوسع في المنطقة يعتبر فكا وحلا لازمتها اللاشرعية التي كانت تعيشها في المشرق ذاته، إضافة إلى نهب خيرات المنطقة، وأسر رجالها وسبى نسائها وبيعهم عبيدا وجواري في أسواق النخاسة بالشام ...".(ص 25 من نفس المرجع)


إضافة إلى مداخلة الأستاذ الحسين الإدريسي تطرق بعض المتدخلين فيما بعد، خاصة إثناء الورشة المخصصة لمناقشة الذاكرة الجماعية، مناقشة ظاهرة استغلال وتأويل بعض النصوص القرآنية من طرف الدولة والأحزاب السياسية والجماعات الدينية المتطرفة لتمرير مواقفها السياسية من جهة، وكسب التعاطف الشعبي والجماهيري من جهة أخرى، وبالتالي جلب اكبر عدد ممكن من الأصوات إثناء الانتخابات، ولم يطالب احد بحذف نصوص قرآنية من الكتب والمقررات المدرسية بالمغرب إطلاقا.


وفي هذا الإطار تحديدا جاءت مسالة بيع الخمور، التي أثارها احد المشاركين، كدليل قاطع على التناقض والنفاق الذي تمارسه الدولة المغربية تجاه مواطنيها، فمن جهة يتم بيع الخمور بشكل علني ( في الطائرات، البواخر، النوادي وحانات خاصة..) ومن جهة أخرى يتم منع تناول الخمور، أليس هذا تناقضا؟. وفي هذا الصدد نشير إلى إن احد قيادي حزب العدالة والتنمية المغربي طالب في وقت سابق برفع ضرائب الخمور من اجل زيادة ميزانية الدولة ولم يطالب بوقف بيع الخمور. فماذا يعنى هذا؟.


كما تطرق الملتقى إلى ضرورة التميز بين العروبة كفكر بشري وبين الإسلام كدين الهي مقدس. حيث إن الإسلام لم يشترط العرق والنسب العربي في الإيمان بقدر ما اشترط التقوى، " لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى..". كما أن اللغة العربية ليست ركن من أركان الإسلام الخمسة.


ومن هذا المنطلق يرى الأستاذ الإدريسي بان الشعب الأمازيغ شعب مسلم، وله أيضا تاريخ حافل في مجال الدفاع والتعريف بالإسلام، سواء قديما أو حديثا، في إشارة منه للدور التاريخي للمهاجرين الأمازيغ بأوربا في بناء المساجد ونشر الإسلام، دون أن يعنى ذلك أن الأمازيغ هم عرب بناءا على اعتناقهم للدين الإسلامي قبل أزيد من أربعة عشر قرن. وفي نهاية مداخلته أشار إلى ظاهرة انخراط المهاجرين المغاربة، أغلبيتهم المطلقة من الأمازيغ، في عمليات الإرهاب الدولي. مع طرح سؤال عريض حول هذه الظاهرة الملفت للنظر، والسؤال هو : لماذا يشارك مغاربة أوربا (أغلبيتهم أمازيغ) في معظم العمليات الإرهابية الدولية مع العلم أن أوربا فيها مسلمون من جنسيات أخرى؟.


فهكذا، عندما نتناول موضوع الإسلام يجب التميز بين العروبة كفكر وتصور بشري أنتجته ظروف سياسية واجتماعية وثقافية ولغوية في المشرق العربي أواخر القرن الثامن عشر إبان الاستعمار العثماني من جهة، وبين الإسلام كدين الهي عالمي، حيث تقول الآية الكريمة " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" كما إن الله تعالى يقول في سورة سبأ (الآية 28) " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " ، من جهة أخرى.


كما يجب علينا تحديد الإسلام الذي نقصده ونتكلم عنه، أو بصيغة أخرى عن أي إسلام نتحدث؟ هل نتحدث عن الإسلام السعودي أو الإسلام الإيراني أم إننا نتحدث عن الإسلام المغربي الأمازيغي/ المتميز بالتسامح والتعايش؟.


تسعى حركات الإسلام السياسي إلى اختزال الموروث التاريخي والاجتماعي والثقافي واللغوي للشعب الأمازيغي المغربي في " الهوية الإسلامية" ، ومن اجل ذلك يحاولون جاهدين نشر ثقافة جديدة يسمونها " بالثقافة الإسلامية" على حساب الثقافة الوطنية، وحول هذه المسالة أضاف الأستاذ الباحث الحسين الإدريسي يقول " كما يعكس استيرادهم للأنماط السلوكية الجاهزة للإسلام الصحراوي والإسلام البدوي الأفغاني والباكستاني، ولذلك تجدهم ينشرون ما يسمونه باللباس الإسلامي ضدا على الألبسة الوطنية العريقة، وذلك باستيراد الألبسة الأفغانية، كما أنهم يحاربون المرددات الشعبية والأغاني الريفية ليبشروا بما يسمونه ب "الأناشيد الإسلامية" الشرقية،ولهذا تجدهم يتحدثون عن " الأعراس الإسلامية" و"الملابس الإسلامية" و" الأناشيد الإسلامية"، وهو ما يدل على جهلهم بالرموز الثقافية المستوردة من مجتمعات أخرى..."(ص 31 -32 من المرجع /المداخلة).


النقطة الثانية: التي أحب أن أشير إليها في غضون توضيح موقفنا من الإسلام كدين لمعظم الشعب الأمازيغي هو مسالة اعتبار الإسلام دين الدولة، كما ينص على ذلك الدستور المغربي الراهن، وما قد يثير ذلك من إشكالات عقائدية وقانونية وحقوقية يصعب مع استمرارها تحقيق التطور السياسي والديمقراطي في بلادنا ، وبالتالي الانتقال إلى تحقيق دولة الحق والقانون.


بحيث إن هذا الوضع يخلق نوعا من التعارض والتناقض بين القوانين الوطنية والمواثيق الدولية التي صادق عليها المعرب( الإعلان العالمي للحقوق الإنسان مثلا) من جهة، و يتعارض مع الحريات الفردية والجماعية التي ينادي بها المغرب ليلا ونهارا من جهة ثانية. وهذا ما وقع بالضبط خلال شهر رمضان الماضي عندما أقدم مجموعة من الشباب المغربي على الإفطار بشكل جماعي في محطة المحمدية، وهذا ما حدث أيضا عندما أقدمت جمعية " كيف كيف " على تنظيم ندوة في مراكش خلال الشهور الماضية حول الشذوذ الجنسي بالمغرب، وغيرها من الحالات والوقائع التي تتعارض بشكل واضح مع الميثاق الدولي للحقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية من جهة، والقوانين المغربية من جهة أخرى.


فكما يعلم الجميع وعلى سبيل التوضيح فقط، ينص الدستور المغربي صراحة بان المغرب دولة عربية إسلامية ، هذه المسالة تحتوى على العديد من الإشكالات العويصة في الفكر السياسي المغربي المعاصر، التي لا يمكن تجاوزها بسهولة، أو التغاضي عنها بشكل نهائي، وهذه المسالة تعتبر من بين المسائل التي تطرق إليها وأثارها الملتقى نظر لأهميتها في عملية الانتقال نحو بناء دولة الحق والقانون.


نعتقد أن التأكيد الدستوري على عروبة المغرب وعلى أن الإسلام فقط دون غيره هو دين الدولة يعبر في العمق عن المنحى العنصري الخطير (عنصرية منظمة) التي تنهجه الدولة المغربية تجاه مواطنيها أولا وتجاه الأجانب المقيمين في المغرب ثانيا. ولقد أتضح ذلك من خلال مجموعة من التطورات الاجتماعية التي عرفها بلادنا خلال الشهور الماضية، نخص هنا بالذكر منع سلطات الرباط خلال الشهور القليلة الماضية الترخيص لبناء كنيسة للمهاجرين الأفارقة بحجة أن المغرب دولة إسلامية. كما تم قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران بحجة أن هذه الأخيرة تقوم بنشر المذهب الشيعي، هذا إضافة إلى طرد العديد من الأوربيين بتهمة القيام بعملية نشر المسيحية داخل المغرب وغيرها من الأحداث.


ومن اجل التوضيح أكثر نشير إلى حالة افتراضية، تصوره معي مثلا لو أن الدستور الهولندي ينص في احد فقراته على ما يلي: الدولة الهولندية دولة مسيحية أوربية. فهل سيكون بإمكان المسلمين بناء أزيد من 400 مسجد في هولندا؟. لو كانت هولندا أو أية دولة أوربية أخرى تقوم بطرد المغاربة على أساس أنهم يقومون بنشر الإسلام فوق أراضيها فكيف سيكون ردنا آنذاك؟.


وإذا كانت السلطات المغربية ترفض السماح ببناء الكنائس في المغرب فلماذا نحتج على تصريحات فيلدارس حول الإسلام والمسلمين ؟.


وإذا كان الواقع الاجتماعي، الثقافي، التاريخي، الجغرافي، اللغوي والبشري كما تؤكد ذلك العديد من الأبحاث والدراسات العلمية الحديثة تشير إلى العمق الأمازيغي للدولة المغربية فكيف يمكن اعتبار المغرب دولة عربية؟ وما هو موقع المواطنين المغاربة الذين لهم ديانة غير إسلامية أو لا دين لهم نهائيا إذا كان الإسلام هو الدين الرسمي الوحيد للدولة المغربية؟.


وهل من الضروري التأكيد على الطابع العربي والإسلامي للدولة؟ لماذا لا تكون ديباجة الدستور المغربي تشير مثلا إلى أن " المغرب دولة ديمقراطية علمانية افريقية" و" لغتها الرسمية هي العربية والأمازيغية " ؟ وكفى.


على أية حال سوف لا أناقش هنا حيثيات وأسباب هذا التناقض الفادح الموجود بين الواقع المعاش والدستور المغربي ، فهذا واضح ومفهوم لدى معظم الفاعلين والمهتمين بالشأن الفكري والسياسي لبلادنا بقدرما أود أن أناقش إشكالية أخرى، تبدو لي شخصيا أكثر أهمية، وهي كيف يمكن تحقيق مشروع بناء دولة الحق والقانون في ظل استمرار الأوضاع السياسية والقانونية(الدستور) كما هي قائمة حاليا ؟.


فعندما تتحدث الدولة المغربية على " المشروع الديمقراطي الحداثي" فإنها تتحدث في العمق عن دولة علمانية تعترف بحقوق الجميع بغض النظر عن ديانتهم وعرقهم ولغاتهم وجنسياتهم. دولة يكون فيه الدين محايدا ومستقلا عن المجال السياسي، أو بصيغة أخرى، فصل الدين عن الدولة، كما هو الحال في الدول الديمقراطية. دولة تكون فيه المواطنة هي الأساس والمرجع الفكري في تحديد سياستها ومسارها وتطورها وليس الدين أو القبيلة كما هو الوضع حاليا في المغرب.


النقطة الثالثة: عندما نقول اللغة الأمازيغية والتاريخ الأمازيغي والثقافة الأمازيغية والشعب الأمازيغي أو الوطن الأمازيغي فلا يعنى ذلك بالضرورة أننا ضد الشعب العربي أو الثقافة العربية أو اللغة العربية كما تحاول بعض الجهات المعادية للحق الأمازيغي في الوجود الإشاعة لخلط المفاهيم والمواقف، أو بصيغة أخرى عندما أقول مثلا إنني أمازيغي وافتخر بلغتي وثقافتي وهويتي تماما كما يفعل الإنسان العربي، فهذا لا يعني بالضرورة إنني ضد الإنسان العربي كما لا يعني بأي شكل من الإشكال إنني ضد الإسلام. أن تكون مسلما لا يعني بالضرورة انك عربي.


كما أن انتقادات الحركة الأمازيغية فيما يخص العرب، فهي موجهة إلى الأنظمة العربية الاستبدادية أولا. وثانيا موجهة إلى النخبة العربية التي ترفض الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها العرب في حق الشعوب الغير العربية إبان الغزو العربي الإسلامي في بداية القرن السادس، كما يقول المفكر المصري السيد سيد القمني، وليست موجهة للإنسان العربي البسيط العادي الذي نتقاسم معه الكثير من الأمور منها الاضطهاد والمعاناة على يد الأنظمة العربية الاستبدادية العنصرية الحاكمة فيما يسمى تعسفا " بالوطن العربي ".






ثانيا: موقف الأمازيغ من الإسلام واللغة العربية:






يمكن اعتبار تأسيس المؤتمر العالمي الأمازيغي سنة 1995، وصدور كتاب الشيخ عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان" حوار مع صديق أمازيغي" في أواخر1998 بعد ذلك، وصدور أيضا الترجمة الأمازيغية للقران الكريم سنة 1998، والنقاش الساخن الذي كان بين الإسلاميين والأمازيغ حول الحرف الأنسب لكتابة اللغة الأمازيغية هي البداية الفعلية لاشتداد السجال الفكري والسياسي بين الحركة الأمازيغية والحركة الإسلامية بالمغرب.


وما ينبغي التأكيد عليه هنا، هو أن الاختلاف القائم بين الحركتين (الحركة الأمازيغية والإسلامية) هو في جوهره اختلاف في المرجعية والانتماء. فبينما تنتمي الحركة الأمازيغية إلى التيار الديمقراطي الحداثي الذي يعتمد النقد التاريخي العقلاني للدين، نجد أن الحركة الإسلامية تنتمي إلى التيار التقليدي السلفي الذي يحاول الحفاظ على الواقع السائد كما هو قائم، وشعاره المركزي هو " الإسلام هو الحل" حيث يحاول هذا التيار الرجعي المحافظ والتقليدي أن يبرر تخلف المسلمون (ومنهم المغاربة) على جميع المستويات في ابتعاد المسلمين عن الإسلام. وتحديدا إسلام السلف الصالح، دون تحديد ماذا يقصدون بإسلام " السلف الصالح" ؟ هل العودة إلى السلف الصالح تعني العودة إلى مرحلة الأمويين أم يقصدون بذلك إسلام العباسيين؟.


ومن هذا المنظور يمكن القول أن الخلاف والصراع القائم بين إمازيغيين والإسلاميين هو صراع حول المرجعية وليس صراع حول العقيدة، أو بصيغة أخرى، هو صراع أيديولوجي ليس إلا.


فهكذا نجد أن جماعات الإسلام السياسي تقول أن الخلافة الأموية على سبيل المثال وليس الحصر،" خدمت الدين الإسلامي بالفتوحات المتصلة والغزوات المستمرة، ونشر الإسلام بين غير المسلمين؛ لكن لا يقال إن الخلافة الأموية- مع ذلك – هي التي دنست حرمة المدينة في عهد يزيد بن معاوية وأهدرت حرمة مكة في عهد عبد الملك بن مروان؛ فأباحت لجنودها دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، فقتلوا الرجال ونهبوا الأموال وهتكوا أعراض النساء وفضوا بكارات العذارى. كذلك لا يقال أن هذه الخلافة ضربت الكعبة بالمنجنيق مرتين فهدمتها في كل مرة، وأنها سمحت لجنودها بدخول مسجد الرسول (ص) بخيولهم حيث ملأوه بالروث والقاذورات ..." .(34 )


كما نجد إن الجماعات الإسلامية ترفض كل ما أنتجه الفكر البشري عموما، والفكر الغربي خصوصا، من القيم والمبادئ النبيلة مثل الحداثة، النسبية، الديمقراطية، العلمانية، الاختلاف والتعايش.


وهذا التيار يظن، وبعض الظن إثم، انه يدافع عن الإسلام ويحمي هوية الأمة من الضياع. ولكنه في الحقيقة يفسد في الأرض عبر تمجيده للماضي والحفاظ على التراث حيث يقدس هذا التيار الماضي تقديسا أعمى.


كثير من العداء للقضية الأمازيغية يرد إلى عدم الفهم أو إلى عمليات الالتباس الناتج عن التصور السائد في ذهنية المواطنين حول الإسلام واللغة العربية من ناحية أو حول الانتماء التاريخي والجغرافي للمغرب من ناحية أخرى.


لهذا نرى انه من الضروري التمييز بين الدين الإسلامي والثقافة العربية من جهة، والدين واللغة العربية من جهة أخرى. لان الفرق بين هذه المستويات الثلاثة في غاية الأهمية، فالإنسان التركي أو الفارسي أو الماليزي على سبيل المثال يعتبرون مسلمون العقيدة لكن دون أن يعني ذلك أنهم عرب، ودون أن يعني ذلك أنهم مجبرون عن التحدث باللغة العربية وبالتالي الانتماء إلى الأمة العربية التي لا يتجاوز عددها أكثر من 170 مليون بينما عدد المسلمون يتجاوز مليار نسمة.


ومن بين اخطر الأفكار الراسخة والمهيمنة في عقول المواطنين، حتى صارت بسبب قدمها ورسوخها جزءا من " العقيدة" وهي أن اللغة العربية باعتبارها لغة القران لا يجوز مناقشتها أو الطعن فيها، وكل من يفعل ذلك يعتبر كافرا ومرتدا عن الإسلام (35) والحقيقية التاريخية تقول أن مسالة وجود اللغة وجدت قبل وجود ظاهرة الوحي، كما أن نزول القران باللغة العربية لا يعتبر تفضيلا من الله تعالي للغة قريش عن غيرها من اللغات حيث لا يوجد أي نص قراني يؤكد ذلك. كما أن موقف الإسلام من التعدد الغوي والثقافي (الحفاظ على الخصوصيات المحلية) واضح وضوح الشمس فلا داعي للخلط بين الإسلام كدين عالمي واللغة العربية كلغة خاصة بالعرب.


الإسلام حسب معرفتنا المتواضعة هو مجموعة من المبادئ والقيم النبيلة التي نادي وبشر بها نبينا محمد (ص) والكائنة في القران الكريم. أما تاريخ الإسلام فهو شيء أخر تماما. تاريخ الإسلام هو التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي من مناظير واتجاهات مختلفة ومتنوعة، وهو تاريخ الحروب، والمذاهب والفكر وغيرها، وهذا التاريخ من صنع البشر، فهو قد يصيب وقد يخطئ، انه عمل بشري بامتياز يختلف عن الإسلام ذاته.(36)






(*)فاعل أمازيغي مقيم بهولندا


المصادر والمراجع :


1 : كثر الكلام في الآونة الأخيرة حول الدعم المالي الذي تحصل عليه الجمعيات المدنية التطوعية بهولندا، ومنها الجمعيات المغربية عموما والجمعيات الأمازيغية خصوصا، بينما إن الواقع الحقيقي عكس ذلك تماما ، حيث يتم التضخيم في الموضع بشكل كبير جدا، فعلى أية حال سوف نذكر بعض المعطيات الضرورية المرطبة بالموضع وللقارئ الكريم حق التفكير والبحث في الموضوع أكثر:


* جميع الجمعيات والمؤسسات الأمازيغية بهولندا ( المقدر عددها بحوالي 12 جمعية أغلبيتها عير نشيطة /نائمة هي جمعيات تطوعية ثقافية وليست جمعيات اجتماعية ولا تجارية.


* معظم هذه الجمعيات لا تتوفر على مقرات خاصة بها، باستثناء جمعية سفاكس، وبشكل مشترك مع جمعيات أخرى،(مرة أو مرتين في الأسبوع على ما اعتقد)


* لا تتوفر أية مؤسسة أو جمعية أمازيغية على موظفين.


* لا تتوفر أية جمعية ومؤسسة أمازيغية على أية ميزانية سنوية قارة بقدر ما تشتغل وفق مشاريع خاصة ومحددة.


ملحوظة نحن نتحدث عنا عن الجمعيات والمؤسسات الأمازيغية فقط


2: انظر " تاريخ الأمازيغ : الجزء الأول" منشورات جمعية الجامعة الصيفية أكادير، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر


3: الحسن وعزي " نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية بالمغرب" مطبعة المعرف الجديدة- الرباط


4: علي صدقي أزيكو " تاريخ المغرب أو التأويلان الممكنة " منشورات مركز طارق بن زياد


5: انظر وثائق المؤتمر الوطني الأول للنهج الديمقراطي المنشورة تحت هذا الاسم


6: تعتبر طبيعة الدولة التي نريد بناءها من بين احد نقط الاختلاف القائمة بين المناضلين والفاعلين الأمازيغيين، حيث هناك فريق يريد ويسعى إلى بناء دولة " أمازيغية إسلامية" موقف محمد بودهان على سبيل المثال، وفريق أخر يرد بناء دولة " مدنية حديثة" موقف احمد ارحموش، الحسين الايدريسي، محمد أسويق وغيرهم.


7: انظر كراسات إستراتيجية(4) " حالة المغرب 2007 – 2008 : منشورات وجهة نظر


8: انظر مجلة وجهة نظر عدد مزدوج 19 -20 ، عدد خاص عن الحركات الاحتجاجية في المغرب


9: حسن أوريد " الإسلام والغرب والعولمة " منشورات جريدة الزمن


10: من الملاحظ في المشهد الثقافي المغربي خلال السنوات العشر الأخيرة عياب شبه تام لدور المثقفين الديمقراطيين اليساريين في القضايا الاجتماعية وغيرها. انظر أكثر المرجع السابق كراسات استراتيجية.


11: هناك من الفاعلين الأمازيغيين من يعتبر تعامل القصر مع الأمازيغية نوع من الاعتراف السياسي بالهوية الأمازيغية، انظر في هذا الصدد مصطفى عنترة " المسالة الأمازيغية بالمغرب"


12: حول الحضارة المغربية القديمة هناك العديد من الدراسات والأبحاث، انظر على سبيل المثال دراسات عبد الله العروي " مجمل تاريخ المغرب" مصطفى أعشي " جذور بعض مظاهر الحضارة الأمازيغية خلال عصور ما قبل التاريخ" الحسين السايح " الحضارة المغربية البداية والاستمرارية وغيرها


13: عبد الحميد العوني " تسييس الأمازيغية والمؤامرة الصامتة حول العرش المغربي" مطبعة منشورات عربية


14: أحمد سليماني " ماسينيسا ويوغرطة " منشورات ديوان المطبوعات الجامعية


15: محمد أسويق " أذ- إسرودجي واوال" ديوان شعري ( ص6) منشورات مؤسسة النخلة للكتاب بوجدة. انظر كذلك دراسته القيمة حول الشعر الأمازيغي " ....


16: حول تصور وموقف مصطفى المسعودي عضو حزب البديل الحضاري من القضية الأمازيغية انظر حواره مع مصطفى عنترة المنشور في كتاب " الأمازيغية وأسئلة المغرب الراهن " منشورات مركز طارق بن زياد.


17: عبد السلام ياسين مرشد جماعة العهد والإحسان " حوار مع صديق أمازيغي"


18: انظر مجلة الفرقان العدد 38 ،عدد خاص هول الحركة الأمازيغية بين الذات والاستلاب.


19 : مجلة دراسات استراتيجية(4) حالة المغرب 2007 -2008 منشورات وجهة نظر.


20: استقبل العديد من الفاعلين الأمازيغ خير تعيين الأستاذ عبد الرحمان العيساتي بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بنوع من الاستعراب حيث كان الأستاذ العيساتي يرفض باستمرار العمل السياسي، كما إن الإمكانيات المادية وغيرها للعمل الأكاديمي موجودة ومتوفرة بهولندا يشكل كبير جدا مما يجعل مسالة الالتحاق الأستاذ العيساتي بالمعهد تطرح أكثر من سؤال.


21 : من الأشخاص الذين ساهموا في تأسيس الحركة الأمازيغية بهولندا نجد كل من الأستاذ عبد الرحمان العيساتي – فريد بورجيل – مصطفى أيناض – محمد اسنوس- محمد شاش – أحمد بن صديق – عبد الصمد الوكيلي وغيرهم . حيث تم تأسيس أول جمعية أمازيغية بهولندا سنة 1993 وهي جمعية أمازيغ بأمستردام .


22: جميع الأسماء التي ذكرناها في المحور هي أمازيغية وتعترف بالهوية الأمازيغية وتدافع عنها بإشكال مختلفة( أو على الأقل لا تناهضها) باستثناء السيد احمد أبو طالب الذي يعتبر نفسه عربي.


23: المرجع السابق مصطفى عنترة


24: المرجع السابق مصطفى اعشي


25 : المرجع السابق مجلة الهوية


26: من المفاهيم الجديدة التي تستعملها الحركة الأمازيغية مفهوم تامازغا التي تعني شمال إفريقيا، للمزيد من المعلومات حول تطور التسميات للشمال إفريقيا انظر المرجع السابق " تاريخ المغرب أو التأويلات الممكنة " علي أزيكر .


27: " مفاخر البربر " دراسة وتحقيق عبد القادر بوباية منشورات دار أبي رقراق.


28: المرجع السابق مجلة الهوية


29: محمود إسماعيل " الخوارج في المعرب" المرجع السابق مجلة الهوية.


30: المرجع السابق مجلة الهوية ( ص 13 – 14 – 15 -16 )


31: انظر كذاك الحوار المنشور على شبكة دليل – الريف مع الناشطة الأمازيغية من مصر السيد

32: المرجع السابق مجلة الهوية

33: انظر محمد شفيق في حوار مع جريدة إمازيغين العدد 15

34 : المستشار محمد سعيد العشماوي " الخلافة الإسلامية" الطبعة الخامسة منشورات الانتشار العربي بيروت- لبنان

35: المرجع السابق حوار مع صديق أمازيغي

36: المرجع السابق محمد سعيد العشماوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق