عقب وضع دستور 1962، صاغ المجاهد الأمير عبد الكريم الخطابي مقالا هاما عن الدستور الممنوح، الذي يراد فرضه على المغرب.
ومما جاء في رسالة المجاهد الخطابي: "ان خرافة الدستور" التي فوجئ بها الشعب المغربي ماهي إلا "لعبة" من الألاعيب التي طالما لعبها المسؤولون على حساب الشعب المؤمن بحقه في الوجود والحياة، الشعب الذي كافح ليعيش حرا طليقا... لا ليصبح مكبلا بسلاسل القيود والأغلال التي ما أنزل الله بها من سلطان..".
فيما يلي مقال المجاهد الخطابي في الموضوع كما أعادت نشره جريدة " الاتحاد الاشتراكي ".
لا نريد أن نكون أضحوكة الدستور المصنوع للمغاربة مؤخرا، موضعا للمشاحنات، أو الخلافات، وان نكون هدفا للمنازعات والخصومات، ومحلا للجدل والهراء... بين أبناء الأمة المغربية.
فمادامت الأمة المغربية أمة مسلمة تدين بدين الاسلام الحنيف، ومادام في البلاد من يفهم هذا الدين والحمد لله.. فمن السهولة بمكان ان نجد الحل الصحيح لكل ما يعترض سبيلنا في حياتنا الاجتماعية، بدون اللجوء الى التحايل، والى الخداع والتضليل.
إن التنصيص في هذا الدستور المزعوم على (ولاية العهد) ماهو إلا تلاعب، واستخفاف بدين الاسلام والمسلمين... إذ كنا نعلم ان مسألة الإمامة نفسها كانت دائما موضع خلاف بين علماء الاسلام منذ بعيد، وما ذلك إلا لعدم وجودها في القانون السماوي. هذا في الإمامة. وإما في ولاية العهد فلا خلاف انها (بدعة) منكرة في الاسلام، وكلنا يعلم ان مؤسسها معروف، ونعلم من سعي في خلقها في ظروف معينة، ولغاية معلومة.. فإذا كانت مخالفة للشرع الاسلامي فلا محالة ان تكون موضع (تهمة).. ويقول إمام المذهب مالك بن أنس (ض): «ليس من طلب الأمر، كمن لا يطلبه». وذلك لأن الطلب يدل على الرغبة، والرغبة تدل على (التهمة) وعدم الطلب يدل على الزهادة والنزاهة.
ثم إن ولاية العهد إذا كانت مفروضة قسرا، فلا تلزم المسلمين، إذ من المعلوم ان كل بيعة أو يمين كانت بالإكراه تكون باطلة.
إذا كانت الأمة المغربية، أمة مسلمة.. فلابد لحاكمها المسلم أن يكون مطيعا لله، وبالخصوص فيما بينه وبين الأمة المسلمة، وعليه أن يستشير المسلمين في كل الأمور، عملا بقوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم»، وبقوله في آية أخرى «وشاورهم في الأمر» فأين نحن من مضمون هاتين الآيتين الكريمتين، وكيف نوفق بينهما وبين من يريد الاكتفاء بالتحايل وخداع الأمة في أمر الشورى وغير الشورى...؟
لاشك أن التهمة موجودة وواضحة بشأن هذا الدستور المزعوم.. كلنا يعلم ان الرسول الكريم (ص) أمر باستشارة جماعة المسلمين، رغم كونه (ص) مؤيدا من عند الله بالوحي، ومعصوما ـ والله يعلم عصمة نبيه وحبيبه ـ ومع ذلك الامر، يأخذ رأي الجماعة، وذلك للتسنين.
فالحاكم المسلم بمقتضى الآيتين مأمورا أمرا وجوبيا باستشارة الأمة من غير أن تطالبه بها.. فكيف بحاكم يريد ان يخدع الأمة، في الوقت الذي تلح فيه هي في طلب الاستشارة؟ لقد نادى المغاربة بالدستور بعد ان فقد العدل، وبعد ان سيطر الجور والظلم والطغيان، ظنا منهم أنهم سيجدون (العلاج) في الدستور، فإذا بهم أمام كارثة أخرى أدهى وأمر مما سبق..
إن المغاربة لا يحتاجون الى دستور منمق بجمل وتعابير، تحمل بين طياتها القيود والأغلال.. إنهم يريدون تطبيق دستورهم السماوي الذي يقول:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان.. يقول «وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل»، وغير ذلك من الآيات الكريمات التي جاءت دستورا سليما للأمة الاسلامية. وأما من خالف هذا الدستور فقد قال فيه القرآن الكريم: «وأما القاسطون فكانوا لجنهم حطبا»... ويقول الرسول الأكرم (ص): «إن أعتى الناس على الله، وأبغض الناس الى الله، وأبعد الناس من الله، رجل ولاه الله أمر أمة محمد، فلم يعدل فيهم».. ويقول عليه الصلاة والسلام: «من مات غاشا لرعيته، لم يرح رائحة الجنة»...
ولا نكون من المغالين إذا قلنا، ان هذا الدستور المزعوم، قصد به في الحقيقة تطويع الشعب المغربي وترويضه طوعا أو كرها حتى يصبح معتقدا بأن حكام البلاد يحكمون بتفويض من الله.. وهذا شيء يتنافى مع (معتقد) الأمة الحقيقي.
إذن، فخير، لواضعي الدستور المزعوم ان يرجعوا الى الجادة المستقيمة حتى لا يتسببوا في الكارثة، ويكونون هم (الجناة).
وبهذه المناسبة أوجه ندائي الى الشعب المغربي كله، في قراه وحواضره وبواديه أن يتنبهوا للخطر الماحق الذي يهددهم عن طريق هذه اللعبة المفضوحة، فليس هناك دستور بالمعنى المفهوم للدساتير، وإنما فقط هناك (حيلة) ولا أظن ستنطلي عليهم.. فقد شاهدوا مثيلات لها فيما مضى.
محمد عبد الكريم الخطابي
القاهرة في: 1962/12/1
ومما جاء في رسالة المجاهد الخطابي: "ان خرافة الدستور" التي فوجئ بها الشعب المغربي ماهي إلا "لعبة" من الألاعيب التي طالما لعبها المسؤولون على حساب الشعب المؤمن بحقه في الوجود والحياة، الشعب الذي كافح ليعيش حرا طليقا... لا ليصبح مكبلا بسلاسل القيود والأغلال التي ما أنزل الله بها من سلطان..".
فيما يلي مقال المجاهد الخطابي في الموضوع كما أعادت نشره جريدة " الاتحاد الاشتراكي ".
لا نريد أن نكون أضحوكة الدستور المصنوع للمغاربة مؤخرا، موضعا للمشاحنات، أو الخلافات، وان نكون هدفا للمنازعات والخصومات، ومحلا للجدل والهراء... بين أبناء الأمة المغربية.
فمادامت الأمة المغربية أمة مسلمة تدين بدين الاسلام الحنيف، ومادام في البلاد من يفهم هذا الدين والحمد لله.. فمن السهولة بمكان ان نجد الحل الصحيح لكل ما يعترض سبيلنا في حياتنا الاجتماعية، بدون اللجوء الى التحايل، والى الخداع والتضليل.
إن التنصيص في هذا الدستور المزعوم على (ولاية العهد) ماهو إلا تلاعب، واستخفاف بدين الاسلام والمسلمين... إذ كنا نعلم ان مسألة الإمامة نفسها كانت دائما موضع خلاف بين علماء الاسلام منذ بعيد، وما ذلك إلا لعدم وجودها في القانون السماوي. هذا في الإمامة. وإما في ولاية العهد فلا خلاف انها (بدعة) منكرة في الاسلام، وكلنا يعلم ان مؤسسها معروف، ونعلم من سعي في خلقها في ظروف معينة، ولغاية معلومة.. فإذا كانت مخالفة للشرع الاسلامي فلا محالة ان تكون موضع (تهمة).. ويقول إمام المذهب مالك بن أنس (ض): «ليس من طلب الأمر، كمن لا يطلبه». وذلك لأن الطلب يدل على الرغبة، والرغبة تدل على (التهمة) وعدم الطلب يدل على الزهادة والنزاهة.
ثم إن ولاية العهد إذا كانت مفروضة قسرا، فلا تلزم المسلمين، إذ من المعلوم ان كل بيعة أو يمين كانت بالإكراه تكون باطلة.
إذا كانت الأمة المغربية، أمة مسلمة.. فلابد لحاكمها المسلم أن يكون مطيعا لله، وبالخصوص فيما بينه وبين الأمة المسلمة، وعليه أن يستشير المسلمين في كل الأمور، عملا بقوله تعالى «وأمرهم شورى بينهم»، وبقوله في آية أخرى «وشاورهم في الأمر» فأين نحن من مضمون هاتين الآيتين الكريمتين، وكيف نوفق بينهما وبين من يريد الاكتفاء بالتحايل وخداع الأمة في أمر الشورى وغير الشورى...؟
لاشك أن التهمة موجودة وواضحة بشأن هذا الدستور المزعوم.. كلنا يعلم ان الرسول الكريم (ص) أمر باستشارة جماعة المسلمين، رغم كونه (ص) مؤيدا من عند الله بالوحي، ومعصوما ـ والله يعلم عصمة نبيه وحبيبه ـ ومع ذلك الامر، يأخذ رأي الجماعة، وذلك للتسنين.
فالحاكم المسلم بمقتضى الآيتين مأمورا أمرا وجوبيا باستشارة الأمة من غير أن تطالبه بها.. فكيف بحاكم يريد ان يخدع الأمة، في الوقت الذي تلح فيه هي في طلب الاستشارة؟ لقد نادى المغاربة بالدستور بعد ان فقد العدل، وبعد ان سيطر الجور والظلم والطغيان، ظنا منهم أنهم سيجدون (العلاج) في الدستور، فإذا بهم أمام كارثة أخرى أدهى وأمر مما سبق..
إن المغاربة لا يحتاجون الى دستور منمق بجمل وتعابير، تحمل بين طياتها القيود والأغلال.. إنهم يريدون تطبيق دستورهم السماوي الذي يقول:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان.. يقول «وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل»، وغير ذلك من الآيات الكريمات التي جاءت دستورا سليما للأمة الاسلامية. وأما من خالف هذا الدستور فقد قال فيه القرآن الكريم: «وأما القاسطون فكانوا لجنهم حطبا»... ويقول الرسول الأكرم (ص): «إن أعتى الناس على الله، وأبغض الناس الى الله، وأبعد الناس من الله، رجل ولاه الله أمر أمة محمد، فلم يعدل فيهم».. ويقول عليه الصلاة والسلام: «من مات غاشا لرعيته، لم يرح رائحة الجنة»...
ولا نكون من المغالين إذا قلنا، ان هذا الدستور المزعوم، قصد به في الحقيقة تطويع الشعب المغربي وترويضه طوعا أو كرها حتى يصبح معتقدا بأن حكام البلاد يحكمون بتفويض من الله.. وهذا شيء يتنافى مع (معتقد) الأمة الحقيقي.
إذن، فخير، لواضعي الدستور المزعوم ان يرجعوا الى الجادة المستقيمة حتى لا يتسببوا في الكارثة، ويكونون هم (الجناة).
وبهذه المناسبة أوجه ندائي الى الشعب المغربي كله، في قراه وحواضره وبواديه أن يتنبهوا للخطر الماحق الذي يهددهم عن طريق هذه اللعبة المفضوحة، فليس هناك دستور بالمعنى المفهوم للدساتير، وإنما فقط هناك (حيلة) ولا أظن ستنطلي عليهم.. فقد شاهدوا مثيلات لها فيما مضى.
محمد عبد الكريم الخطابي
القاهرة في: 1962/12/1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق