الأحد، 7 مارس 2010

من أجل نظام جهوي يتوافق وتطلعات الإنسان الريفي


فكري الأزراق
Fikri-87@hotmail.com
1
أية جهوية نريد؟ تتطلب الإجابة على هذا السؤال قراءة المشهد السياسي المغربي قراءة تحليلية للوقوف على مختلف الإشكاليات المعيقة للتطور والانتقال الديمقراطي من النموذج الدولتي الجاكوبيني الذي تتميز به الدولة المغربية (وهو نسخة طبق الأصل للنظام الجاكوبيني الفرنسي) إلى النموذج الدولتي الحداثي الجهوي الذي يتطلع إليه الشعب المغربي الأمازيغي; فالمغرب يعرف تعددية حزبية غير سليمة حيث يوجد 34 حزبا ولا يوجد 34 مشروعا مجتمعيا وبالتالي فإن معظم الأحزاب السياسية لا تعكس التمثيلية السياسية للشعب المغربي وقد أبانت الاستحقاقات الانتخابية الماضية هذا المعطى بكل وضوح وبشكل غير قادر للتشكيك، وبلغت نسبة العزوف ذروتها، وذلك راجع إلى وجود ثقافة شعبية لدى الشعب المغربي عامة مفادها أن الأحزاب السياسية المغربية على اختلاف مرجعياتها ليست لها أدوار فعلية في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي تلقي بضلالها على حياة المواطنين العادية وذلك راجع إلى كون الأحزاب السياسية المغربية وخاصة اليسارية منها قد تخلت عن مطالب السواد الأعظم من المغاربة مقابل ضمان البقاء في مختلف مواقع القرار النافذ، فالملاحظ في السنوات الأخيرة أن اليسار والقوى الديموقراطية لا تبدي نوعا من القتالية إزاء ما كانت تعتبره في الماضي مطالب جوهرية وإستراتيجية، بل قدمت قراءة للمشهد الاجتماعي الشعبي تحمل على الاعتقاد أنه يجعل من هذا المشهد بمثابة قبول بكل النظام الاجتماعي الذي أنتج كل هذه الفوارق الطبقية، في كافة تمظهراته، كما أنه ليس هناك في العمق ظلم اجتماعي صارخ وعميق حيث أن الطبقة الوسطى شبه منعدمة في هذه البلاد مقابل التوسع المستمر للطبقة الكادحة وعلى النقيض نجد حفنة من المحظوظين تزداد امتيازاتهم يوم بعد يوم ويستفيدون أكثر من نظام الريع...
ولهذا فإن كل الخطابات السياسية اللمساء لا تجد مكانا لها لدى الرأي العام حيث أصبح الكل يعلم بأن الأحزاب السياسية لا تعكس التمثيلية السياسية لمختلف مكونات المجتمع المغربي، لكن في مقابل ذلك هناك أحزاب لا تشارك في الانتخابات ولكنها تمثل جزءا من رأي المواطنين ولها الحق في أن تكون مخاطبا وهناك أيضا تنظيمات سياسية غير معترف بها من طرف الدولة لكنها تمثل جزءا كبيرا وهاما من رأي المواطنين مثل التنظيمات الأمازيغية التي سحبت البساط من الأحزاب السياسوية في التأطير الشعبي وأصبحت هذه التنظيمات ــ أي الأمازيغية ــ تعتبر الممثل الشرعي الوحيد للشعب المغربي الأمازيغي الذي يعيش غريبا في وطنه ، فليس النظام السياسي وقفا على الأحزاب التي تقبل باللعبة الانتخابية خاصة وأن هذه الأحزاب لا تظهر إلا عند بزوغ هلال الانتخابات، وبالتالي لا بد من إصلاح دستوري يجب أن يدخل حيز التطبيق في بلادنا ليعترف بهذه التنظيمات التي تمثل رأي السواد الأعظم من المغاربة ولتمكين مختلف مؤسسات الدولة من لعب أدوارها الحقيقية فالبرلمان والحكومة وباقي المؤسسات الحالية ليست سوى ظلالا شاحبة غارقة في بحر التياهان لا زالت تبحث لنفسها عن وظيفة مفتقدة وفي المقابل تلعب المؤسسة الملكية أدوار كل الهيئات السياسية ، وهي المتحكمة في قواعد اللعبة السياسية وهي المحددة لطبيعة الأدوار التي يجب أن يلعبها كل فاعل سياسي على حدة من خلال وزارة الداخلية، فرغم الديكور الخارجي للدولة المخزنية الذي يوحي بالممارسة الديموقراطية الحقيقية إلا أن الحقيقة تعكس وجها آخر، فجميع السلط الحقيقية توجد بين يدي الملك وبعض مقربيه الذين يملكون زمام الأمور دون توفرهم على أية مهام أو مناصب وزارية رسمية، بل يستندون في سلطتهم كما في عهود ما قبل الحماية على القرابة العائلية والزبونية ويشتغلون وفق ممارسة سياسية تقليدية قائمة على أساس إدارة النزعات القبلية والتحكيم وتحقيق التوازنات بين مختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين للبلد مكونين بذلك ما يصطلح عليه بدولة المخزن. هذا المخزن عمل على دسترة تقاليده التحكيمية ليكون حاضرا دستوريا في الحياة السياسية وذلك من خلال عدة عناصر حددها محمد معتصم في كتابه "الحياة السياسية المغربية" ( 1962 – 1991 ، مؤسسة ايزيس للنشر، الطبعة الأولى ، ماي 1992، الدار البيضاء، ص 40 و 41 )في خمسة مظاهر وهي :
ـــ جعل الفصل 19 الملك أمير المؤمنين فوق الأحزاب السياسية، وتخويله سلطة السهر على احترام الدستور، وقيامه بتأويله الفعلي استراتيجيا وظرفيا ضمن سلطة تحكيمية في سير المؤسسات.
ـــ إقرار الفصل الثالث من الدستور للتعددية الحزبية ومنعه الحزب الوحيد لتمكين الملك من لعب دور تحكيمي بينهما كما كان سلفه السلطان حاكما بين القبائل
ـــ تخويل الملك حق الدعوة للاستفتاء لطلب قراءة جديدة أو مراجعة الدستور.
ـــ تخويل الملك سلطة حل البرلمان أو اللجوء للسلطات الاستثنائية للتحكيم في أزمة سياسية ، برلمانية، أو حكومية.
ـــ توفر الملك على سلطة إصدار الأمر بتنفيذ القوانين.
غير أن الطابع التقليداني لنظام الحكم في المغرب لا يتجلى فقط من خلال الدور التحكيمي للملك الذي يشكل استمرارا لنفس الدور الذي كان يقوم به السلطان عبر تاريخ المغرب، ولكن أيضا من خلال استمراريته وبعث مؤسسات وممارسات تقليدية ، فظهور ملك دستوري محدد الصلاحيات في دستور مكتوب وإحداث حكومة عصرية وبرلمان وجهاز إداري حديث لم يحدث قطيعة مع الأنظمة التقليدية التي ما زالت تشتغل في النظام السياسي الحديث....
وهذا ما يضعف العمل الحزبي والسياسي المغربيين ، وعوض أن تدخل بلادنا في دينامية سياسية جديدة من شأنها أن تعيد الروح المفقودة إلى التنظيمات السياسية وتفتح أبواب التقدم والتنمية عبر إرادة حقيقية في القيام بإصلاحات سياسية ودستورية وإعطاء الحق لكل جهات المغرب في تسيير شؤونها بنفسها في إطار نظام للحكم الذاتي الموسع لمختلف الجهات داخل الدولة الفدرالية للسير في الاتجاه الذي ذهبت فيه دول ديموقراطية عديدة كما هو الحال بالنسبة لجارتننا (اسبانيا)... وعوض العمل على هذا الإصلاح يتجه المخزن إلى تكرار نفس التجارب السياسية الفاشلة وذلك عبر خلق تنظيمات حزبية إدارية على غرار التجارب السابقة وبالتالي يتم تضييع فرصة فتح آفاق جديدة أمام التنظيمات التي تمثل الرأي العام المغربي كالتنظيمات الأمازيغية مثلا ... وهنا يتبين بوضوح وبشكل جلي أن الإرادة السياسية القائمة الآن هي عدم السير قدما في القيام بالإصلاحات السياسية الضرورية وبالتالي إنتاج نفس ثوابت الحكم، فحزب الأصالة والمعاصرة الذي ولد بعملية قيصرية في البلاط الملكي يعتبر من الآليات السياسية لإبقاء الأمر على ما هو عليه ، ولا يمكن لأي كان أن ينكر ذلك أمام كثرة المؤشرات التي تشير إلى أن "الأصالة والمعاصرة" هو بمثابة الذراع الحزبي للقصر، فالمخزن حاليا يعمل على إضعاف الأحزاب المغربية لتعبيد الطريق أمام الوافد الجديد من خلال عدة آليات من بينها التضييق الإعلامي حيث أن هناك أحزاب لا تصل بتاتا إلى التلفزة وفي نفس الوقت تمنح التلفزة بكاملها للحزب الجديد ، وكان استقبال محمد السادس للأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة" (بيد الله) بعد انتخابه أو تعيينه على رأس "البام" بمثابة دليل قاطع على أن الحزب هو حزب القصر، وهو حزب يتوفر على "أصحاب الشكاير" أو بارونات المال الذين يشترون أصوات الناخبين وهم بالأساس أعيان المخزن التقليديون الذين يتربعون منذ عدة عقود على الدوائر الانتخابية بفضل علاقاتهم الزبونية وشراء الذمم، ويرى العديد من المتتبعين أن الحزب حاليا دوره لا يتعدى تأثيث الديكور الخارجي للممارسة الديموقراطية في البلاد .
2
تؤكد العديد من المؤشرات والتقارير والدراسات على أن المغرب يعيش أزمة سياسية حادة انعكست سلبا على المجتمع، فما يطبع الدولة والمجتمع من دينامية وتحولات وتطورات تظل محكومة باختلالات جوهرية فقد بات من المؤكد واستحضارا للعديد من التجارب والخلاصات المرتطبة بحالات مشابهة للوضع الذي يعيشه المغرب، أن بلدنا يعيش حالات تيه سياسي ويفتقد لبوصلة بعقارب مضبوطة، إنها حالات تردد بطعم التناقض والازدواجية أو بتعبير أهل السوسيولوجيا حالة "الداء المغربي" أو "العطب المغربي".
ورغم ما طبع السنوات الأخيرة من مسلسل الإجراءات والتدابير التي كان من المفروض أن تستجيب لتطلعات المغاربة وتقود المغرب للسير نحو المستقبل والتخلص من ثقل الماضي الذي يجره فإن الآمال التي كانت معقودة على شعارات هذه المرحلة سرعان ما اصطدمت أمام حقيقة الواقع وظلت الإشكاليات الكبرى والجوهرية مطروحة ولم يستطع المغرب مواجهة "الموعد العصيب" كما سماه عبد الرحمان اليوسفي في إحدى محاضراته الشهيرة ببروكسيل والتي احتج فيها على إجهاض التناوب الديموقراطي وعدم احترام المنهجية الديموقراطية.
إلا أن السؤال الأهم في كل هذا هو كيف يتسنى لنا الخروج من هذه الحالة؟ وكيف يمكن للمغرب أن يحسم في عدة خيارات ؟ وأين يكمن الخلل بالضبط حتى نستطيع أن نعرف مكمن الداء الذي قيل في السابق إنه "سكتة قلبية" والآن يتضح أن الحالة أقرب إلى "هزة عقلية".
ومن هنا أصبحت المطالبة بالتغيير والانتقال نحو الديموقراطية إحدى أهم المطالب الجوهرية والإستراتيجية لمختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين بالمغرب على حد سواء، وكانت السنوات الماضية قد عرفت انخفاض تأثير المركزيات النقابية والأحزاب السياسية بمختلف تلاوينها وانتماءاتها على مركز صناعة القرار مما أدى إلى بروز فاعل جديد في حقل الصراع الطبقي بجعل هذا الأخير ينتقل من المعمل إلى المجال وخصوصا المجال المهمش باعتباره أحد ضحايا التنمية غير المتكافئة وبالتالي احتل النضال المجالي موقع النضال النقابي وشكل الفاعل الأمازيغي المتمثل في الحركة الأمازيغية أحد أهم الفاعلين في هذا الحقل وتحول –أي الفاعل الأمازيغي- من مجموعة جمعيات حاملة للهم الثقافي إلى قوة اقتراحيه صعبة التجاوز، وذلك بالانتقال إلى طرح أسئلة وإشكالات تتجاوز ما هو ثقافي إلى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ....كل ذلك من أجل صياغة عقد اجتماعي بين الدولة والمجتمع يستلهم أسسه من الهوية التاريخية الأمازيغية للمغرب، ويجد قوته في جعل المجتمع قيادة حقيقية لأي انتقال ديمقراطي. وبدأت المطالبة بتمكين بعض الجهات الأمازيغية المهمشة من طرف السلطة المركزية كالريف وسوس من تسيير شؤونها الذاتية في إطار الحكم الذاتي الموسع للجهات لتجاوز التبعية السياسية والاقتصادية للمركز الذي لا زال يقوم بصياغة برامجه السياسية والاجتماعية وفق تصورات "المغرب النافع" و "المغرب غير النافع".
3
انبنى خطاب الحركة الأمازيغية على أساس عدة مقولات كالتعدد، الاختلاف، الحرية، الديموقراطية، ...وهو بذلك ينتقد مفاهيم الوحدة والمركزية التي انبنى عليها خطاب الدولة المركزية/ المخزن الذي ربط كل شيء بالمركز بدءا بالسياسة وانتهاءا بالاقتصاد، حيث تعرف المناطق الهامشية نزيفا ماليا حادا ، ففي حالة الريف مثلا تصنف المنطقة في المرتبة الأولى وطنيا من حيث الودائع البنكية بنسبة 65% بالإضافة إلى مواردها الطبيعية والبشرية والسياحية الهائلة ورغم ذلك تعرف معدلات الفقر بنسب كبيرة وتفوق المعدل الوطني حيث تصل إلى% 16.5 في المجال القروي مقابل %13.11 في مجموع البلاد ، ومعدلات الفقر في الوسط الحضري تصل إلى %10.1 مقابل %7.6 في كل المناطق المغربية حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط..
وقد عرفت الأمازيغية تهميشا ممنهجا من طرف السلطة المركزية على جميع المستويات الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية تحكمت فيه أبعاد سياسية بالإضافة إلى الطبيعة المركزية للدولة التي تقوم على عدة محددات كــ : المخزن، اليعقوبية الفرنسية، وحدة الأمة العرقية، مرجعية السلطان كما جسدتها التقاليد الإسلامية، وفي هذا السياق سيربط الأمازيغيون مبكرا بين الثقافة والتنمية حيث أن الحركة الأمازيغية أخذت تتجه صوب العمل التنموي بشكل مهم وهذا ما يفسر ظهور تيمات جديدة من قبيل الماء، الأرض، إدانة نزع الملكية، ...وغيرها كما كان الشأن في حلقات ياكورن بالقبايل/ الجزائر في الثمانينات التي تناولت في إحدى محاورها دور الثقافة في التنمية وكذا علاقاتها الجدلية والعراقيل التي تضعها ثقافة نخبوية ترتكز على اللغتين الفرنسية والعربية الكلاسيكية وهما لغتين نخبويتين تشكلا أدوات السياسات الاقتصادية والاجتماعية في المغرب.
وفي سياق الربط بين الثقافة والتنمية ستبرز عدة لقاءات وطنية وعدة مشاريع سياسية تهدف إلى إبراز ما للأمازيغية من دور في التنمية وربط هذه الأخيرة بضرورة تقوية الجهة <<إن من أهم التدابير الواقعية لتجاوز وضعية الاختلالات الناجمة عن نظام المركزية المفرطة الموروثة عن العهد الاستعماري الفرنسي، ومن أجل تمكين مختلف الجهات من التنمية المتوازنة وتكافؤ الفرص على مستوى البناء الاقتصادي والاجتماعي هو منح هذه المناطق والجهات المهمشة صلاحية واسعة وفعلية للتحكم في ثرواتها وإمكانياتها الطبيعية وتسيير المنشآت الخاصة بها، وتعتبر الثقافة الأمازيغية مرجعا في هذا الشأن بحكم ما يطبعها من تراكمات الأمازيغ على مستوى أنظمة التسيير المحلي والذاتي >> (محمد زاهد: الأمازيغية وأسئلة التنمية، أعمال الجامعة الصيفية بأكادير –الدورة السابعة- يوليوز 2003 ـــ غير منشور).
كما ستبرز عدة مشاريع في اتجاه نقد التمييز الجهوي القائم ، وكان ميثاق فاتح مارس بشأن الاعتراف بأمازيغية المغرب قد دعا في أحد مطالبه إلى رفع التهميش عن المناطق الأمازيغية ، مقابل الدعوة إلى العمل من أجل سد هذه الفوارق، وقد كان من بينها "المشروع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي لمغرب القرن الواحد والعشرون"سنة 2000 (وثيقة غير منشورة جاءت في إطار البحث عن بديل تنظيمي للحركة الأمازيغية في بداية 2000 في ظل النقاش الذي كان مطروحا آنذاك والذي أفرزه ميثاق فاتح مارس 2000 بشأن الاعتراف بأمازيغية المغرب).
اقترنت الفدرالية لدى الفاعل الأمازيغي بتجاوز الطبيعة المركزية للدولة وكسر الفوارق الاقتصادية إلا أنه رغم طرح الفدرالية من هذا الجانب وكونها آلية تضمن الحكم الذاتي للجهات، لا يمتلك الفاعل الأمازيغي أية إجابات عملية أو تصورات ملموسة يمكن الاستناد إليها لدراسة أية فدرالية يتطلع إليها الأمازيغيون إلا أن هذا لا ينفي وجود إحالة عن تجارب انتقلت بشكل تدريجي نحو دولة الجهات ومرشحة للتحول نحو الفدرالية مثل اسبانيا.
وإذا كان النظام الفدرالي في حد ذاته ليس ضمانه نحو التقدم الاقتصادي للمناطق خاصة مع بروز رأي آخر يرى أن هناك إمكانية أمام فشل الدولة المركزية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي أن يكون منح الحكم الذاتي للجهات هو بمثابة نقل الأزمة الاجتماعية من المركز إلى الجهات وبالتالي تبرئة النظام المركزي، فإن وجود آليات وأساليب تضمنها الفدرالية تقوم بالأساس على التكامل والتعاون ومنح البنود الشرطية لبعض المناطق الأكثر تهميشا، وكذا إنشاء صناديق الموازنة لخصم فوائد المناطق من أجل مناطق أخرى والتوزيع العادل للثروات... وما يمكن ملاحظته بالنسبة للدول التي يمكن لها أن تنتقل من نظام مركزي إلى نظام فدرالي كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، تتعاهد داخلها كل الأطراف على نص دستوري ومن تم يمكن الاعتقاد بأن ما قد تخوله الفدرالية في العلاقة مع سد الفوارق الاجتماعية هو تضمين كل الآليات الممكنة داخل الدستور ومن ثم الارتقاء من القضية الاجتماعية والتنموية إلى مستوى القانون الأسمى إلا أنه كما هو معلوم أن النصوص القانونية لا تكفي وحدها لمعالجة كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية مما يجعل أي نموذج فدرالي يقتضي نخب جهوية تعي دورها، وكذا محاربة الفساد الإداري والمالي وتحصين القضاء، وعصرنة الإدارة العمومية، والتمهيد لديموقراطية وطنية ، ووضع إستراتيجية واضحة لتعميم التعليم باللغات الأم لمحاربة الأمية ، ومنها اللغة الأمازيغية باعتبارها لغة أمومة الشعب المغربي الأمازيغي.
وتجدر الإشارة في هذا المضمار إلى أنه رغم اختلاف وجهات نظر النشطاء الأمازيغيين حول مفهوم الدولة المطلوبة فإن مطلب الحكم الذاتي للمناطق الأمازيغية في إطار الدولة الفدرالية هو مطلب الأغلبية الساحقة من الأمازيغيين.
4
تذكير كرونولوجي سريع يفيدنا بأن المغرب بدأ في سن السياسة الجهوية منذ سنة 1971 عندما سعى إلى خلق 7 جهات اقتصادية كبرى. ستتعزز هذه السياسة سنة 1975 مع بلورة "مخطط تنمية الجهوية". سننتظر بعدها عشر سنوات أي سنة 1984 حتى يقرر الملك الراحل الحسن الثاني إرساء قواعد اللامركزية التي تبناها كل من دستور 1992 ودستور 1996. و رغم هذه الدسترة، فشبابيك الاستثمار الجهوي لم يكتب لها الوجود حتى سنة 2002 ... ورغم كل هذه الإجراءات الشكلية التي كان الهدف منها هو محاولة التكيف مع روح العصر، ظلت السلطة السياسية مركزية شديدة التمركز في العاصمة، بل الأكثر من هذا ظلت المؤسسات الجهوية التي تم إحداثها هي مجرد ذيول وتوابع للسلطة المركزية، وظلت تحت وصاية وزارة الداخلية، وهو ما يجعل الحديث عن الجهوية اليوم في الأوساط السياسية المركزية دون أية مصداقية على اعتبار أن التجربة الجهوية السابقة أنتجت جهات غير منسجمة وزادت من اتساع الهوة بين المناطق، وظلت سياسة "المغرب النافع" و "المغرب غير النافع" مهيمنة على كل شيء، والحديث عن الجهوية من طرف الساسة المركزيين هو مجرد تكتيك للحيلولة دون بروز تصور جهوي قوي من طرف الفعاليات السياسية الجهوية مثل الحركة الأمازيغية التي كانت السباقة إلى طرح مبادرة الجهوية، وبالتالي فالنظام الجهوي المغربي لا يمكنه أن يوازي تطلعاتنا وتطلعات الإنسان الريفي بصفة عامة الذي يريد حكما ذاتيا لمنطقة الريف يستلهم أسسه من المرجعيات الكونية ومن الهوية الأمازيغية لمنطقة الريف.
ومن أجل صياغة تصور جهوي، فيدرالي، حكم ذاتي، جهوية موسعة مغربية-مغربية أو غير ذلك من النماذج يتعين الأمر في نظرنا تنظيم استفتاء شعبي ليحدد الشعب ماذا يريد، وهذا الإجراء مستبعد بالنظر إلى طبيعة عقلية المخزن المركزي الجاكوبيني الذي ستشكل له هذه الخطوة قفزة في المجهول، لأننا نعرف جيدا هشاشته كلما تعلق الأمر بمجابهته مع الرأي العام.
ومن جهة أخرى تشير العديد من المؤشرات الجادة إلى أن كل الشعب الريفي لا يمكنه أن يقبل إلا بنظام للحكم الذاتي الموسع وهو ما يعني أنه رغم تطبيق الجهوية سيبقى النضال من أجل الحكم الذاتي مستمرا إلى أن يتحقق هذا المطلب الشعبي الريفي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق