محمد احدوش / فرنسا:
لكوننا مغاربة ،لا يجب أن نشعر بالغرابة بعد الآن ، حتى ولو حدث المستحيل...لأن القنوات المغربية وحدها عودتنا مرارا على مشاهدة العجب العجاب.ولطالما عرضت أمام أنضارنا مشاهد خارقة للعادة ،ترتسم في تفاصيلها ملامح جِمال ، وهي تلج في سم الخياط.
لكن ...أعتقد أنه من واجبنا أن نتساءل فقط ، كيف يمكن لإحدى القنوات المفضلة ؟!أن تدعو المغاربة الى المشاركة في لعبة الأرقام ، اللوطو الآن دورك وتثبت في اللحظات الأخيرة بأنها الوحيدة من بين قنوات الدنيا كلها، التي تسعى جاهدة الى إفراغ جيوب مشاهديها الأعزاء...
وربما لا تريد إلا خيرا بالمغلوبين على أمرهم،لعلهم يفلحون بعد كسب الرهان،أو يرجعون من واقع فقر مدقع يتخبطون فيه ، رغم أن فقراء المغرب في كل الحالات هم الخاسرون.
ولعل استئصال التباين الاجتماعي السائد لن يتم؛ حتى يركب الجميع قافلة اللوطو برأي التلفزة هذه ..التي تعرض مسلسلات ميكسيكية وصينية مدبلجة بلغة الشارع لا بلغة الكتاب، بينما أحداث المجتمع ونشرة الأخبار تقدمها بشق الأنفس بالفرنسية والإسبانية على الدوام، والله المستعان...!
باعتبارنا مغاربة ؛ يجب أن لا نشعر بالغرابة مهما حدث.. لأن القناة الأولى وإن كانت تقليدية ، فتبقى الأدرى بالعلوم كلها ، بما فيها علم الخرافة والخيال . وهي التي عرضت مؤخرا وصلة إشهارية تعكس خيال المستحيل ، مفادها أن رائحة للا زهرة تصل الى فرنسا وكندا فقط عبر الهاتف الجوال ، تسويقا لإحدى شركات الإتصالات... رغم علمها أن ما تبوح به لا يعدو إلا أن يكون ضرب من خيال علمي ، لا زالت تقصر عن بلوغه الشبكة العملاقة ذاتها وتقنيات ما بعد ثورة الإتصالات.
إذا كانت مقاولة الإشهار أو التلفزة فعلا واثقة بأمر انتقال رائحة للا زهرة عبر شبكة (باين) لتصل الى كندا، فإنه من الممكن أن المروجين للافكار اللامنطقية كهذه..ربما طمست قلوبهم، أو زكمت أنوفهم رائحة الموت التي خلفتها إنهيار مئذنة في مدينة مكناس ، من المفترض أنها وصلت الى الرباط عبر هواتف محمولة تنقل الرائحة..وحيثما تشبعت حواسنا نحن بفائض الدم المسفوح ، بعد سقوط سقف مدرسة على رؤوس البراعم الصغار في مدينة الناضور ، هل يمكن القول أن الرائحة الدموية وصلت الى وزارة التربية في الرباط عبر المحمول؟ وأعتقد أنها ليست حتى من أساطير الأولين ؛ والكثير من الإقامات الهشة سقطت على رؤوس آهيليها ولم يعرف المسؤولين تفاصيل سقوطها، لأن القنوات الوطنية تصب اهتماماتها على الإقامات الفاخرة كالضحى والموحدين ، تلك التي تفوح من حولها رائحة البنفسج والزعطر البلدي..ومن المرجح أنها هي رائحة للا زهرة التي زعمت التلفزة بانها تخترق الهاتف الجوال، وتصل الى كندا.
وتبقى في منأئ ومع الأسف عن العرض ولو جزئيا إقامات أخرى آلية للسقوط ، تزهق أرواح ضحايا الديمقراطية الجديدة ، في وقت يبلغ فيه عدد ضحايا انهيار المباني والمدارس الهشة في المغرب كل عام، عدد ضحايا زلزال التشيلي الأخير.
لو كان الهاتف ينقل الرائحة كما تدعي التلفزة ..لشعر المسؤولين في البرلمان بالزكام ول امتدت الى أنفاسهم رائحة المراحيض، ولوقفوا وقفة رجل واحد على القول ــ لا يمكن لأحد المستضعفين المغاربة أن يقيم مع عائلته في مرحاض ــ (!!!) وإذا ما قدر للعقول أو للقلوب أن تفيض من فضلكم ،فلن يفيضها إلا شاي ـ البلار ـ الذي أفاض الكؤوس في التلفزيون شهر رمضان المنصرم . وإن صحت عبارة (إيوا دُوقْ أورَدْ أعلِيّ لخبار) سنفهم أن القناة الأولى حينما تحدثنا عن الذوق، فهي في الحقيقة تقصد الشم.
لن أستغرب وإن كنت غريبا في بلاد أشتاق فيه لرؤية بلدي مثل الأخرين الذين يتذوقون حلاوة الغربة ...ولن أتعجب وأنا أجهل إن كانت أفلام الرسوم المتحركة موجهة للصغار أم للكبار أم للجالية الغريبة ؛باعتبارها أفلاما كارطونية ناطقة بالفرنسية ، ومستوردة من فرنسا حسب سياسة التبذير الممنهجة ، حتى في ظروف الأزمة ،فقناة الدوزيم على ما يبدولا تفهم معنى غلاء المعيشة ولا القدرة الشرائية باعتبارها ثرية أكثرمما يجب..ولن تأمن أبدا بالمثل القائل (ميحس بالمزود غير الي أمصمك بيه )وتتمادى في احتقار الفقراء المغاربة عبر شهيوات سميشة بعد المقاطع الغنائية؛ حيث تهمس في آذان الجميع ..ـ الدوزيم تمنحك فرصة النجومية ـ وولوج عالم الكبار .. وبالتالي فأفلام الرسوم المتحركة على القناة لن تكون الا برامج موجهة لأبناء الجالية الفرنسية المقيمة بالمغرب ، وأبناء كبار المغاربة الذي يتعلمون الفرنسية في المدارس الخاصة هناك .
من حق صغار الفقراء أن يستمتعوا ب ـ سنوات الضياع ـ أو القطة المتوحشة ؛مثلما يستمتع الكبار بمسلسل أين أ بي .. هذه الأيام .ومسلسلات صينية ومصرية وكورية .لأن الشركات الكبرى تدعمها بأموال مقابل حصص إشهارية خارقة للعادة وخارجة عن القانون . لنفقد الثقة حتى في نفوسنا بسبب هلاك يصطدم بالإستهلاك .و مقدم برنامج ـ استهلك بلا متهلك ـ لم يشر ولو بلغة الإشارة الى أن الهلاك الذي يهدد المغاربة ستسببه أفلام العاطفة والهيام ، كإغراأت ، حماية لحياة الإغراء من الإنقراض ..
هكذا تخرج علينا القنوات المغربية كل يوم بهذه الغرابة لأنها تعي جيدا أننا مغاربة..!! وبينما لم تخجل إحداها يوما من التسويق لألعاب اللوطو لإفقار الفقراء، تصر الأخريات على وضعنا أمام أختيار بين الداودي والداودية ..وفي انتضار أن تحقق نبوءة الأولى بشأن انتقال الرائحة عبر الهاتف ، لا تستغربوا لأننا ببساطة مغاربة...!
الخميس، 18 مارس 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق