الأحد، 7 فبراير 2010

لبؤة تمازغا قصة شموخ وأفق طموح



تاريخ موشوم بالقيادة

كل مواصفاتها الموشومة على جسدها المتدثر بجرعات كبرياء مضاعفة، تجعل من أنوثتها بسالة وجسارة تعاند القوات والعتاد وذكورة الغزو المتعاقب على أرض شمال أفريقيا.

لقد كانت الشخصية القيادية للمرأة الأمازيغية حاضرة بثقلها عبر التاريخ، وكانت الروح المبدعة البارزة الخلاقة لكل أساليب النضال ضدا على الاستعمار ونهش الثروات وسبي النساء. فكان النزيف وكان العطاء فناء لا محدودا. مميزات وخصائص


امرأة رجولة في الميدان استمدتها تارة من عمقها الأمازيغي ذي الطابع الأميسي حيث المرأة الرمز وعلو الشأن، ومن انتمائها للإسلام الذي مجد المرأة وأكد على شخصيتها المستقلة المتوفرة على مقومات القيادة إلى جانب الرجل على كافة الواجهات السياسية، الجهادية والاقتصادية أيضا تارة أخرى. فلم تكن المرأة الأمازيغية بمعزل عن المعارك الساخنة التي شهدتها جبال تامازغا، بل عملت على نقل الطعام و الماء لأسود المقاومة، متسللة رغما عن همجية العدو ورغما عن الصخور و الجبال الوعرة المسالك. فكان الإيمان قويا بالقضية وكانت الإرادة شامخة رغم العقبات. ولم تتوانى المعطاء قط لتغدق حنانها بردا وسلاما على المجاهدين، فعملت على ابتكار طرق مداواة الجرحى مستخدمة كل مهاراتها كالكي بالنار وتحضير الوصفات العشبية التي كانت تتقن إعدادها. ولم تكتفي لبؤة تمازغا آنذاك بهذا الحد، بل إن هناك من يؤكد على أنها شاركت في حمل السلاح ضد الطغيان الاستعماري، ولم يكن وقارها ولا حشمتها إلا ليمداها بمزيد من البسالة في الميدان.كل هذا ناهيك عن نضالها اليومي في تدبير شؤون الأسرة وتوفير مقومات العيش. فكانت الأم الولود والمربية لرجال حفروا اسمهم عميقا في ذاكرة التاريخ، وكانت المرأة العاملة الكادحة في الحقل يدا بيد مع الرجل بالإضافة إلى الرعي و تميزها في نسج الزرابي وصناعة الأواني الطينية وزخرفتها. لقد سطرت اللبؤة عبر تاريخها العريق بمداد حشمة أخلاقها الرفيعة وثباتها في ساحة الوغى أسطورة عز ومجد، وعبرت عن تميزها وتألقها بزيها الأبيض النابض بالعفة والعشق الشغوف للحرية
.

ديهيا الأوراسية... نموذجا للمقاتلة الحديدية

ليس كمثلها أحد من النساء في شمال أفريقيا، حب جنوني للأرض والسلطة، عناد وتحد لآخر رمق في حياتها. فالحديث عن أبطال المقاومة الأمازيغية الذين قاوموا الرومان والوندال والبيزنطيين وواجهوا الولاة والقواد المسلمين الفاتحين بشمال أفريقيا وربوع تامازغا ،لا بد وأن يقودنا للحديث عن الكاهنة أو ديهيا.هي بنت جبال الأوراس بنوميديا (الجزائر)، امرأة جميلة فتنت أقلام التاريخ بشجاعتها وقوتها في التخطيط والمواجهة.ظنت أن المسلمين الفاتحين لا يختلفون عن الغزاة الذين نهشوا ثروات شمال أفريقا فقاتلت باستماتة لصد الفاتحين. اسمها دميا أو دهيا ولقبها العرب بالكاهنة ،فسر البعض ذلك لكونها دوخت بدهائها الفاتح العربي المسلم حسان بن النعمان الوالي الجديد على أفريقيا الشمالية حيث واجهته بشراسة نسائية قل نطيرها، في حين أن البعض الآخر يفسر هذا اللقب بكونها تعلمت السحر والكهانة من أبيها فاستغلت هذه القدرة في تسيير أمورها العسكرية حتى بات القائد الأمازيغي كسيلة يستشيرها في هذه الأمور.

"بعد انتصار حسان بن النعمان على كسيلة، اتجه هذا القائد العربي نحو ممالك الجزائر والمغرب لنشر الإسلام بين ساكنتها، لكنه واجه مقاومة شرسة من قبل الكاهنة التي وحدت القبائل الأمازيغية، فكونت جيشا عرمرما استطاعت أن تؤثر فيه بهيبتها وجمالها وقوة شكيمتها وحدة فراستها.

وقد سبقت الكاهنة إلى إعلان الحرب على حسان ، وقصدت مدينة باغية، فأخرجت منها الروم، ثم هدمت حصونها لكي لايحتمي بها حسان بن النعمان الذي تحرك بدوره في اتجاهها ، فنزل بوادي مسكيانة، ثم التقى الجيشان مع انبلاج شمس الصباح قرب نهر بلىّ التقاء داميا تطاحنت فيه الرؤوس والخيول والسيوف، وانتهت المعركة بانهزام حسان ، وأسفرت المعركة عن مقتل الكثير من العرب ، فأسرت الكاهنة حسب المصادر حوالي ثمانين رجلا، وسميت هذه الموقعة بيوم البلاء ، وسمي النهر الذي التقى فيه الجيشان بنهر البلاء. و بعد المعركة، عاد حسان بن النعمان إلى تونس . وإثر ذلك، انتقل بجيشه إلى برقة، واستخلف على إفريقيا أبا صالح."

وكان” انهزام حسان أمام الكاهنة أشنع ما مني به العرب في بلاد المغرب، وهذا بإجماع المصادر العربية، وأول انكسار عرفه لهم التاريخ آنذاك. وعندما وصل حسان لمأمنه كتب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالواقعة يستنجده لإعادة الكرة ويعتذر عن انكساره. ومن ضمن مابرر به هذا الاندحار مايلي:” إن أمم المغرب ليس لها غاية، ولايقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم”. . ويضيف الدكتور جميل الحمداوي أنه "بعد مرحلة الهزيمة والانكسار الشنيع، قرر حسان بن النعمان أن يعيد الكرة لمقاتلة الكاهنة، فأمده الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على وجه الاستعجال بإمدادات عسكرية وعتاد ومؤن على الرغم من انشغالاته الكثيرة بإخماد الثورات المعارضة في الشرق وشبه الجزيرة العربية، فاتجه حسان بجيشه صوب مملكة الكاهنة لمنازلتها بعد أن جمع كل المعلومات التي أرسلت له من قبل معاونه خالد بن يزيد والتي تتعلق بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي كانت عليها مملكة الأوراس الجزائرية في ظل الحكم الاستبدادي الذي كانت تنهجه الكاهنة ، حيث استطاعت هذه المرأة الحديدية أن تقبض على أنفاس الشعب الأمازيغي بقوة وصلابة.

ولما علمت الكاهنة بحملة حسان بن النعمان ، ارتأت أن تلتجئ إلى سياسة الأرض المحروقة لدفع العرب الفاتحين للتراجع عن غزو الجزائر والمغرب على حد سواء، فقالت لأنصارها:” إن العرب لايريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة والمعدن، ونحن تكفينا منها المزارع والمراعي، فلا نرى لكم إلا خراب بلاد أفريقية كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر”.

وقد دفعتها هذه السياسة التخريبية التي نهجتها بدون حكمة وترو إلى تعجيل نهايتها المأساوية، حيث احتج البرابرة على الدمار الذي لحق أفريقيا، وثار كل الناس بما فيهم الروم والعرب والبربر واليهود على هذا الإجرام البيئي الخطير الذي لم يشهده تاريخ الإنسانية من قبل بهذا الحجم الخطير، فأصبحت أفريقيا بهذا الفعل المشين أرضا مهجورة من سكانها، وبقعة قاحلة ، وحديقة جرداء، وصحراء موحشة، وثغورا مخيفة" .1

منقوشة على جدران الإبداع

مخضب قلبها هي بالعشق المتفاني لأرض تمازغا، فجعلت من ارتباطها العميق المتوارث بكل ماهو أمازيغي منبعا لإلهامها الإبداعي الذي كان يقتحم ذاتها بعفوية مطلقة. فأبدعت وحصنت الأسطورة والحكاية الأمازيغية من الاندثار، وحملت في صدرها أحلى القصيد وتغنت به مجموعات تداعب الأرض بأرجلها، وتبتسم للسماء وللطيور التي تشبهها في شغفها بالحرية والبياض. فأسهمت بذلك في بناء الأدب الامازيغي فأبدعت وتمكنت من شق الطريق رغم العقبات. وفي هذا الصدد يؤكد سعيد بلغربي كاتب وباحث أمازيغي أن"للمرأة الأمازيغية حضور متميز داخل النسق الإبداعي والثقافي الأمازيغي، فالحركة الإبداعية بالريف في فترة بداية متقدمة من القرن الماضي شهد حضورا ملفتا للمرأة الأمازيغية ليس بشكله المعروف حاليا، وإنما كان عبارة عن استمرارية طبيعية لعطاءات المرأة الإبداعية في مجالاتها المعيشية والحياتية التي بصمت فيها بكل قوة شخصيتها الفريدة، واستطاعت المرأة الأمازيغية أن تفرض "كيدها" الإبداعي على مسارها المرتبط بحياتها اليومية وأسلوبها الناضج في التعبير على دواخل ومكامن الإنسانية فيها، فكانت مبدعة في فن الغناء والرقص والإنشاد وإنتاج الإيزري الذي يعتبر من أرقى الإنتاجات الشعرية الريفية التي أرخت لنفسية المجتمع الأمازيغي، إلى جانب إتقانها لفن الرسم وإظهاره من خلال زخارف غنية بإيحاءات تاريخية وسسيواجتماعية ونفسية تظهر اليوم واضحة وبارزة في الزربية الأمازيغية والزخارف البادية على الخزف... وكانت مبدعة في ثقافة الحكي وحفظ الأحاجي الأمازيغية وروايتها من جيل إلى جيل بأسلوب راقي ومؤثر، محافظ على دلالته التربوية والاجتماعية وطاقته الأسطورية.

لكن مع نهاية الستينيات من القرن الماضي تمردت المرأة الأمازيغية بالريف بشكل ساهم في تواصلها واحتكاكها بالمجتمع الخارجي، وفرصة للخروج بالإبداع من قوقعته المحلية الأسرية إلى الوسط الخارجي من خلال مساهمة المرأة في الحركة الإبداعية الغنائية ـ مثلا ـ وكانت المبدعة الأمازيغية "ميمونت نسلوان " رائدة في هذا المجال في نقل الإيزري والأغنية الأمازيغية من طابعها الاحتفالي الأسري أو الموسمي إلى طابعه العالمي من خلال إنتاج تسجيلات في أقراص وأشرطة، وحضورها لمهرجانات محلية وعالمية تميزت بطابعها الحديث.

وكرست المرأة الأمازيغية حاليا دورها الفعال في احتفاظها بمساحة مهمة داخل الخريطة الإبداعية الأمازيغية، وخصوصا بالريف، وذلك في مجالات مختلفة كالمسرح والتشكيل والكتابة الأدبية بكل أشكالها النثرية، المسرحية والشعرية، هذا الصنف الأدبي الأخير أبانت من خلاله المبدعة الأمازيغية تطورا ملحوظا من خلال صدور العديد من الدواوين الأمازيغية التي تحتفي بها الساحة الشعرية بالريف ولو بصمت (نموذج: فاضمة الورياشي، مايسة رشيدة، لويزة بوسطاش، عائشة بوسنينة) وغيرهن كثيرات." وبخصوص العواقب التي تعترض الأدب النسوي الأمازيغي يضيف الأستاذ سعيد بلغربي "على الرغم من كل هذا لايمكن أن نتحدث بتفائل مطلق ومفرط عن تفاعل المرأة الأمازيغية بمسرح التحول والتطور الثقافي والإبداعي بالريف لأن ذلك يرجع بالأساس إلى الواقع الثقافي الأمازيغي الهش الذي يعيشه المغرب في ظل غياب اعتراف رسمي باللغة الأمازيغية، وغياب مؤسسات تحمي الإنتاج الإبداعي الأمازيغي وتحمي المرأة الأمازيغية باعتبارها المنبع الإنساني المنتج والمحافظ بالفطرة على خصوصياته، هذا الغياب الذي يؤثر بصفة عامة على الأدب والإبداع الأمازيغي الذي يعرف تحركا بطيئا راجع بالأساس إلى الإمكانيات الغائبة لتطويره وتوثيقه وتشجيعه."

على مجزرة الحيف والتهميش

"شهد العقد الماضي اعترافا متزايدا بحقوق وخصوصية المشاكل المميزة للمرأة المنتمية إلى السكان الأصليين، والتي تمارس هويتها وتقاليدها الثقافية وأشكال التنظيم الاجتماعي الخاصة بها مع تعزيز دورها في المجتمعات المحلية التي تعيش فيها، إذ تواجه هذه المرأة في معظم الأحيان عوائق ومشاكل ترجع إلى كونها امرأة/ مواطنا من درجة ثانية تنتمي إلى نسق اجتماعي سياسي وثقافي متخلف من ناحية، وامرأة منتمية إلى مجتمعات السكان الأصليين من ناحية أخرى فالحديث عن وضعية المرأة الأمازيغية يستمد شرعيته من طبيعة الواقع الخاص والمعاناة اليومية التي ترزح تحت ثقلها المرأة المغربية في جل المناطق الأمازيغية، هذا الوضع الذي يتميز بتداخل وتعقد مستوياته، فبالإضافة إلى التهميش الذي يطال المرأة والرجل الأمازيغيين على حد سواء فإن المرأة تستأثر بالنصيب الأوفر من التهميش والتشييء والتغييب، ومرد ذلك إلى سيرورة تضرب جذورها في التاريخ، تاريخ شمال إفريقيا وبلاد تامزغا التي كانت عرضة لمختلف أنواع الاستعمارات ابتداء بالحملات التجارية والعسكرية وانتهاء بالاحتلال الإيديولوجي والثقافي العروبي. فلا أحد يجادل اليوم أن حركات تحرر الشعوب تقاس بمدى تقدم أو تأخر وضع المرأة داخل المجتمع، فقد ساهمت نضالات الحركة النسائية في تحرر العديد من المجتمعات: (حركة الزنوج، الثورة الفرنسية، الثورة الروسية، حركة التحرر الوطني والمرأة في الفيتنام، المرأة الزباطية في المكسيك...)

أما بالنسبة لقضية المرأة الأمازيغية فهي تتميز بخصوصية تقوم أولا على التمييز الجنسي داخل علاقات اجتماعية وأسرية ذكورية تمتد جذورها في تاريخ البشرية منذ ظهور الملكية الخاصة وتقسيم العمل بين الجنسين، وثانيا على خصوصية الانتماء الثقافي والهوياتي إلى بلاد تامزغا وشعوب شمال إفريقيا التي يشهد التاريخ على التحولات والاصطدامات التي عرفتها. فقضية المرأة الأمازيغية تتميز عن قضية المرأة عالميا إذ ليس أننا لا نعترف بوجود قضية عامة للنساء، بل إن العناصر المتحكمة والمنتجة لخصوصية المرأة المغربية الأمازيغية وطرق البحث تختلف باختلاف الزمان والمكان، والانتماء الثقافي والتاريخي لهوية وحضارة معينة، كما أنها قضية شعب طاله التهميش والإقصاء السياسي فاغتيلت ذاكرته واغتصبت أراضيه قبل أن تغتصب نساؤه."2 وكنتيجة طبيعية لنهش الثروات وسياسة التفقير المنتهجة في بلدان شمال أفريقيا فإن معظم النساء الأمازيغيات يعانين في ظروف مهينة محرومات من حقهن في التعليم والصحة وقليل من الكرامة. مما جعل الكثير منهن يمارسن مهنا مهينة لأنوثتهن وإنسانيتهن وكل هذا في ظل حكومات "عربية" متعاقبة لا تأبه لمصير هؤلاء النسوة وآلامهن.
"إن الأسباب التي ساهمت في تهميش المرأة الأمازيغية هي الأسباب التي تعوق تحرر جزء كبير من الشعب المغربي الأمازيغي، هو التسلط على الذاكرة والتاريخ، هو القهر وسوء توزيع الثروات وانعدام الديمقراطية. إلا أنه، وبفعل مجموعة من العوامل والخصوصيات يبقى للمرأة النصيب الأكبر من هذه المعاناة، هذه الخصوصية التي تستمد مشروعيتها من التاريخ والحقوق الكونية التي تعزز مكانة المرأة، وأيضا من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعاني منها. فمنذ السياسة المتبعة لاستئصال قيم الحضارة الأمازيغية من طرف الأنظمة السياسية والاجتماعية المتعاقبة على بلاد شمال إفريقية حيث تعرضت المرأة للتشرد وهجر الوطن والسبي والبيع في أسواق النخاسة والخدمة لدى الغرباء و السجن ضمن حريم القصور لدى الحكام والأعيان.

مما يجعلنا نطرح سؤالا مهما: هل بالفعل أن قضية المرأة المغربية في منطلقاتها التاريخية والسياسية تبدأ بعد فترة الاستقلال؟ أي بعد خروج المرأة من البيت إلى سوق العمل والإنتاج كما تذهب إلى ذلك الحركة النسائية في مقاربتها لوضع المرأة. أو يمكن اعتبار مرحلة ما بعد الاستقلال مرحلة تستوجب الوقوف وطرح أسئلة عميقة تهم المسار السياسي والاجتماعي والثقافي والمؤامرة التاريخية التي دبرت في حق المجتمع المغربي، رجاله ونسائه بتمرير سياسة استيعابية كان هدفها تدمير الهوية الثقافية الأمازيغية بدعوى الحفاظ على الوحدة الوطنية، مع هيمنة النظام السياسي الأحادي المحمي بالأيديولوجية المشرقية".

نحو فعل نسائي أمازيغي قوي

حاضرة في مقدمة كل المظاهرات والفعل النضالي الأمازيغي بكل ألوانه. هكذا كانت عبر التاريخ وهكذا هي اليوم. فالكثيرات من العاملات في الحقل الامازيغي ينظرن إلى الخطاب الرسمي بشك وريبة ويبخسن من قيمة المنجزات التي يتبجح بها الإعلام الرسمي عندما يتعلق الأمر بقضية المرأة.

"إن قضية المرأة الأمازيغية تعيش على هامش ثوابت نضاليات الحركة النسائية التي تركز في أبجديات اشتغالها على الحملات والمحطات المعروفة بالمطالبة بتغيير الوضعية القانونية للمرأة ـ حملة 1992، تعديلات مدونة الأحوال الشخصية 1993، الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية 1999 وأخيرا مدونة الأسرة 2004 ـ مع الدخول في استراتيجيات جديدة مملاة من المؤسسات الدولية في إطار شعار تحقيق التنمية المستدامة وإدماج المرأة القروية. إن جل التنظيمات المدنية والسياسية، بما فيها الحركة النسائية لم تعد تشكك بمبدئية وشرعية مطالب الحركة الأمازيغية بما فيها خصوصية حركة ومطالب المرأة الأمازيغية، كالحقوق الثقافية واللغوية التي تفتقد إلى الحماية الدستورية والحق في تشريعات قانونية بلغتها الأم، والحق في مدونة علمانية تضمن المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة وترفع عنها الحيف والتمييز الذي طالها من طرف الذاكرة المغلوطة والمجتمع والمؤسسات، والحق في قضاء مستقل ونزيه يتم فيه الفصل في قضايا الطلاق والزواج باللغة الأمازيغية لتجنب الوقوع في التدليس، الحق في مدونة تنهل من أعراف وتقاليد النظام الاجتماعي الأمازيغي ومن المرجعية الكونية لحقوق الإنسان مع إعمال المواثيق الدولية، ثم الحق في الإدماج داخل النسيج الاجتماعي والثقافي مع رفع كل أنواع الاحتقار الملتصقة بالمرأة الأمازيغية من تبخيس لجسدها، واعتبارها سلعة مهيأة طبيعيا للبغاء والفولكلور حيث أصبحت لفظة (الشيخات) مقترنة تاريخيا بالنساء الأمازيغيات، ومرد ذلك لأسباب تاريخية سياسية واجتماعية ذات صلة وطيدة بالاستعمار والمخزن إذ لعب فيها الأعيان ورجال السلطة التقليديون دورا ضليعا في تحطيم العلاقات الاجتماعية الراقية التي كانت تتمتع فيها المرأة الأمازيغية بمكانة رفيعة داخل النظام الاجتماعي القبلي، وذلك لتكسير شوكة القبائل المقاومة، فتم إحداث دور للدعارة قريبة من الثكنات العسكرية خلال مرحلة الاستعمار كما هو الحال في مجموعة من المناطق كبني ملال، تيفلت، خنيفرة، الحاجب وبعض المدن الشمالية"3.
الإيمان بهذه الرؤية دفع بثلة من الناشطات الأمازيغيات في المغرب للسعي نحو تأسيسي إطار نسوي أمازيغي يحمي الأمازيغيات من الحيف والتمييز ويضم آمالهن وأحلامهن في حياة كريمة واستنشاق الحرية والانعتاق من ربقة سياسات التجهيل والاستعباد. وعن فكرة تأسيس إطار نسوي خاص بالمرأة الأمازيغية صرحت لنا خديجة بلوش ناشطة أمازيغية وعضو اللجنة التحضيرية للإطار النسوي الأمازيغي:"هذه المبادرة خرجت من رحم مجموعة من النقاشات التي ابتدأت منذ أشهر حول وضعية المرأة الأمازيغية في المغرب، وكذا ضرورة هيكلة الحركة الأمازيغية للمضي قدما نحو النهوض بالفعل الأمازيغي والتأسيس لإطار قوي قادر على تحقيق الأهداف المنشودة. صحيح أن المغرب يعج بالمنظمات النسوية لكنها تبقى منظمات بعيدة كل البعد عن انشغالات المرأة المغربية عامة والأمازيغية خاصة، فالبعض يعتبرها مجرد فنادق خمس نجوم لاستغلال قضية المرأة لجني أرباح شخصية. ونحن نعتبر كل نساء المغرب أمازيغيات حيث أن سكان المغرب أمازيغ تعرضوا للتعريب ومن ثم فالمنظمة مفتوحة أمام كل نساء المغرب . سعينا إذن لتأسيس إطار نسوي أمازيغي هو فعل أملته الضرورة وليس حبا في عزل المرأة الأمازيغية عن هموم المرأة المغربية".

1-جميل الحمداوي: من أبطال المقاومة الأمازيغية: ديهيا أو الكاهنة (الحلقة17).

2.3- فاطمة مريط: المرأة الأمازيغية-مظاهر الحيف والتمييز وتعدد مستويات الطرح(جريدة تاويزا عدد أبريل 2005)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق